تونس: لا أفق لأصحاب الشهادات العاطلين من العمل

15 يونيو 2020
من الاحتجاجات الأخيرة في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -
ما زالت نسبة البطالة في تونس مرتفعة ولم يحصل كثيرون من أصحاب الشهادات العليا على فرص عمل تتلاءم وكفاءاتهم. ومجدّداً، قرّر هؤلاء النزول إلى الشارع والمطالبة بحقوقهم وإلغاء تجميد الانتدابات بعد ما طالت الأزمة 

تستمرّ معاناة العاطلين من العمل من أصحاب الشهادات العليا في تونس. وفي حين تعاقبت الحكومات في البلاد بعد الثورة وتوالت الاحتجاجات المطالبة بالعمل والكرامة، زادت أوضاع هؤلاء سوءاً في ظل مواصلة الحكومة تجميد الانتدابات، ما أثار غضبهم وزاد من شعورهم بالظلم. ولم يكن من خيار بالنسبة إلى هؤلاء غير الاحتجاج والإضراب عن الطعام وسط الصعوبات الاجتماعية التي يمرّون بها.

منى عكرمي واحدة من هؤلاء، تخرّجت في عام 2007 مع شهادة في القانون من دون أن توفّق بعمل. لكنّ والدها توفي تاركاً للأسرة بعض المال. تخبر "العربي الجديد" أنّ "هذا الوضع دفعني إلى العمل في مهن هشّة بعيدة عن تخصّصي. كذلك عملت في جمعيّات عدّة وفي مجال تعليم الأطفال من دون أن أحصل على أبسط حقوقي". تضيف أنّ "كثيرين يعانون أوضاعاً صعبة. بعض الأشخاص لديهم أطفال وهم من دون عمل ولا مورد مالي"، مشيرة إلى أنّهم "ضحايا سياسات فاشلة على مرّ عقود".



وتتابع عكرمي أنّها من خلال تطوّعها للإشراف على التنسيقية الخاصة بمن طالت بطالتهم لأكثر من عشر سنوات والتي تحمل شعار "الانتداب حقي"، فقد تعرّفت إلى أشخاص يحملون شهادات ويعانون البطالة منذ نحو 13 أو 15 عاماً. وتؤكد أنّ "ما أوصلهم إلى هذا الوضع الصعب هو غياب منهجية واضحة في الانتدابات، عدا عن العراقيل والمحسوبيات والرشاوى بعيداً عن الكفاءة والشفافية". وتشدّد على أنّ "احتجاجاتنا مستمرّة لصياغة قانون يضمن انتداب العاطلين من العمل، إذ إنّ الأعداد في تزايد مستمر، ولا نيّة من قبل الدولة للعمل على انتداب العاطلين من العمل، على الرغم من أنّ الوضع لا يحتمل مزيداً من الانتظار. تلقينا وعوداً بالانتداب من دون أن يتحقق ذلك".

أمّا الناشطة الحقوقيّة آمنة الزويدي التي دخلت في إضراب عن الطعام في معتمدية منزل بوزيان الواقعة في الجنوب الغربي لولاية سيدي بوزيد (وسط) أخيراً، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من تدهور وضعي الصحي ونقلي إلى المستشفى أكثر من مرة، فإنّني مصرّة على تأمين عمل لائق يضمن كرامتي، خصوصاً أنّني مطلّقة ومسؤولة عن طفلَين".
تضيف: "تخرّجت من المعهد العالي للفنون الجميلة وتعرّضت لانتهاكات عديدة في خلال عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بسبب احتجاجي على وضع أسرتي الفقيرة التي كانت تسكن في ورشة. ومذ ذلك الوقت، صرت من المفروزين أمنياً، أي ممّن لا حقّ لهم الانتداب أو التقدّم لأيّ وظيفة، فاخترت متابعة الدراسة".

وتقول الزويدي التي تصرّ على المطالبة بحقوقها "زوجي السابق كان يرفض مشاركتي في الاعتصامات والاحتجاجات، وهذا ما دفعه إلى تطليقي. لكنّني تمسّكت بحقي وشاركت في مسيرات عدّة، منها مسيرة من سيدي بوزيد وصولاً إلى اتحاد الشغل في العاصمة تونس في فبراير/ شباط من عام 2018، وقد أضربت وزملائي عن الطعام. حينها، فضّ الإضراب بعدما وُعدنا بفرص عمل، لكنّنا انتظرنا عاماً كاملاً من دون جدوى". وتتابع الزويدي التي شاركت في أعمال تطوعية وتوعوية عدّة في خلال أزمة كورونا، أنّ "الشباب التونسيين مندفعون من أجل بلدهم، لكنّ الدولة تقابل جهودهم بالجحود. وعلى الرغم من الثروات الطبيعية والقطاع الزراعي الذي يُعَدّ سوقاً جيّداً للتشغيل، تبقى الدولة عاجزة عن حلّ ملف العاطلين من العمل ولا تقدّم شيئاً لآلاف الشباب الذين يعانون الأمرّين من جرّاء أوضاعهم الصعبة".



من جهته، يقول زهير خميس لـ"العربي الجديد" إنّه حائز على شهادة دكتوراه في الجغرافيا، لكنّه على الرغم من تميّزه في دراسته، فإنّه يعاني البطالة منذ سنوات. يضيف: "شاركت في انتدابات عدّة، لكنّ مطالبي بمعظمها جوبهت بالرفض. وفي النتيجة، اضطررت إلى العمل في البناء والتنظيف والحراسة"، لافتاً إلى أنّ "أوضاع أصحاب الشهادات العليا ممن بلغوا سنّ الأربعين تُعَدّ صعبة". ويؤكد: "ظُلمت كثيراً، ولا بدّ من حلول عاجلة، خصوصاً أنّني لست الوحيد الذي يعاني".

في السياق، يقول المكلّف بالإعلام في اتحاد أصحاب الشهادات العاطلين من العمل حسيب عبيدي لـ"العربي الجديد" إنّه تخرّج في عام 2014 مع شهادة في القانون، لكنّ محاولاته المتكررة للحصول على عمل في أيّ مجال باءت بالفشل. يضيف أنّ "أوضاع العاطلين من العمل صعبة، وتردنا يومياً قصص كثيرة. على سبيل المثال، حضر إلى الاتحاد قبل أيام رجل عاطل من العمل يبلغ الأربعين من عمره ويعاني من البطالة منذ 13 عاماً. فبعدما عمل في مهن مختلفة اكتشف أنّه لا يحقّ له الانتداب لاحقاً". ويشير عبيدي إلى أنّ "الاتحاد يطالب بتسريع تمرير المبادرة حول التشغيل المعروضة أمام مجلس النواب، ما يعني تنقيح قانون 2012 والتراجع عن قرار تجميد الانتدابات التي أُوقفت بقرار سياسي في جلّ القطاعات المهمة، بالإضافة إلى وقف الملاحقات القضائية بحقّ الناشطين". ويؤكّد أن "حلّ أزمة البطالة من خلال آليات وعقود هشّة سيقود إلى مشاكل إضافية"، لافتاً إلى أنّ "وقفات احتجاجية عدّة ستلي تلك التي نظمناها في العاشر من يونيو/ حزيران الجاري أمام البرلمان".