تميزت الجلسات العلنية لـ"هيئة الحقيقة والكرامة"، التي انطلقت مساء أمس الخميس، بغياب واضح لقيادات ورموز الاتحاد العام التونسي للشغل، باستثناء المولدي الجندوبي، وحضور محتشم لبعض السياسيين ورؤساء الأحزاب، رغم أنّ الهيئة خصصت الجلسات العلنية لأحداث 26 يناير/كانون الثاني 1978، أو ما يعرف بـ"الخميس الأسود"، الذي يوصف بـ"الطلاق الدموي بين الاتحاد والحزب الاشتراكي الدستوري" الحاكم في تلك الفترة.
وانطلقت الجلسات العلنية بشهادة للنقابي خير الدين الصالحي، من مواليد 1933، والذي انخرط في النشاط النقابي في سن مبكرة.
وعرض الصالحي تفاصيل أحداث الليلة الفاصلة بين 25 و26 يناير/كانون الثاني 1978، حيث تم تطويق مقر الاتحاد من قبل الأجهزة الأمنية، واعتقال كل من كان موجودا فيه، مضيفا أن "النظام، بقيادة الحبيب بورقيبة، شن آنذاك حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددا كبيرا من النقابيين، وتم اقتيادهم إلى فرقة سلامة أمن الدولة بوزارة الداخلية".
وذكر المتحدث أنه تم استنطاقه وإيداعه بالسجن وجرت مقاضاته بتهم كيدية، تتمثل في محاولات تبديل هيئة الدولة، وإثارة الشغب، وحمل المواطنين على مهاجمة بعضهم، مشيرا إلى أن "القضايا طاولت 34 نقابيا، بقي 4 فقط طليقين، وتم إيقاف البقية، من بينهم 11 عضوا بالمكتب التنفيذي للاتحاد، و16 عضوا بالهيئة الإدارية".
وأكد النقابي ذاته أنه حكم عليه بـ8 أعوام أشغال شاقة، وأن الأحكام على بقية المتهمين تراوحت بين 10 سنوات أعمال شاقة و6 أشهر سجن.
أما النقابي محمد شقرون، من محافظة باجة، فقال "إن الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل، وبعد اجتماعات مطولة، قررت الإضراب العام، وتركت للمكتب التنفيذي حرية اختيار اليوم، فكان تاريخ الخميس 26 يناير/كانون الثاني 1978"، مبيناً أنه "ومنذ ذلك الإعلان تم تطويق مقر الاتحاد واقتحامه واعتقال كل من كان موجودا فيه".
وأفاد شقرون بأنّه تعرض إلى شتى أنواع التعذيب، "من تعرية وتعليق وضرب بالعصي والحبال، والإخضاع إلى ممارسات لا إنسانية"، لافتاً إلى أن التهم الموجّهة إليه هي "حمل أسلحة وإعطاء الأوامر باستعمالها". كما تم اقتياده إلى مصنع المسابك بمقرين بالضاحية الجنوبية لتونس، حيث كان يعمل، وتم حجز حوالي ألف كويرة حديدية مخصصة للمصنع، وتم اتهامه بمحاولة استعمالها كسلاح.
بدوره، قال النقابي محمد شعبان، من محافظة صفاقس وسط تونس، إنه كان يعمل بشركة للحمض الفوسفوري بصفاقس، وأنه ساهم في تكوين أول نقابة بها، وانتخب في أغسطس/آب 1973 عضوا بالاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، مبيّناً أنهم التزموا بقرار المجلس الوطني، الذي أقرّ الإضراب العام.
وبين شعبان أنّ "الجهة لم تشهد أي عمليات عنف أو تخريب أو اعتداء على الممتلكات العامة، بتعليمات من الاتحاد الذي حرص على حسن تنظيم الإضراب"، إلا أنه تم إيقافه برفقة بقية زملائه، ونقله إلى مقر وزارة الداخلية لاستنطاقه، حيث مكث 10 أيام تعرض خلالها إلى شتى أنواع التعذيب، وحكم عليه بعامين سجنا بتهم كيدية، منها "ترؤس عصابة مفسدين"، قبل أن يجري تنقيله بين عدة سجون، منها برج الرومي والناظور وصفاقس.
وقال المتحدث إن "مليشيا الحزب الحاكم" حينها، وتحديدا "مليشيا محمد الصياح"، الذي عيّن في نوفمبر/تشرين 1973 مديراً للحزب "الاشتراكي الدستوري" ووزيراً معتمداً لدى الوزير الأول، لعب دوراً كبيرا في قتل المتظاهرين الفارين من المواجهات.