تونس: شروط "اتحاد الشغل" تصعّب مهمة السبسي الحكومية

01 يوليو 2016
يحاول السبسي تأمين هدنة للحكومة وتقليص التحركات ضدها(ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

كان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي واضحاً مع ضيوفه في جلسة أول أمس الأربعاء، في قصر قرطاج، حين سأل الحضور: ألم يُجمع أغلبكم على فشل حكومة الحبيب الصيد في تنفيذ البرامج الموكلة إليها بعد عام ونصف من تشكيلها؟ وأبدى السبسي كذلك استغرابه من انقلاب الوضع إلى حملة للدفاع عن الحكومة وانتقاد مبادرته، بعد أن كانت كل الأطراف تتحدث عن فشل الحكومة في كل المنابر.
ويبدو أن الرئيس التونسي قد حسم أمره في خصوص الحكومة، وربما رئيسها أيضاً، على الرغم من إشارته إلى أنه لم يكن يحبذ الخوض في هذا الموضوع قبل الانتهاء من مضامين الحكومة، لافتاً إلى أن بعض أعضاء الحكومة هم من فرضوا استعجال النقاش في هذا الأمر قبل أوانه. ولم يفوّت السبسي في الجلسة أن يذكّر الذين يخوضون في النقاش الدستوري، أنه حريص على احترام الدستور، ملمّحاً إلى أن الدستور يمنح الرئيس الحق في اقتراح رئيس الحكومة في بعض الحالات، ويمنحه للبرلمان في حالات أخرى.
ودعا الرئيس التونسي ممثلي الأحزاب والمنظمات إلى طرح أفكارهم في خصوص هذه النقاط، مؤكداً ضرورة أن يدلي الجميع بموقفه من مسألة الحكومة، لأنه عندما يحين أوان القرار فلا بد أن يتحمل الجميع مسؤوليته. وتوقف عند المدة الزمنية التي ستُمنح للحكومة الجديدة لتنفيذ البرنامج المتفق عليه، لافتاً إلى أنه ينبغي منحها متسعاً من الزمن حتى توفّق في تنفيذه، مع أن المدة المتبقية قبل الانتخابات المقبلة، ثلاث سنوات ونصف، قد لا تكفي لذلك.
وفي السياق، بدأت بعض مواقف أبرز المكونات السياسية والاجتماعية تتبلور حول الحكومة، إذ أكّد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أنّ المشاورات القائمة حالياً بين الأحزاب الحاكمة وعدد من الأحزاب المعارضة وأطراف اجتماعية، هي التي ستحدّد إمكانية بقاء أو رحيل الصيد، معلناً في تصريح صحافي أنّ "النهضة" منفتحة على كل الاحتمالات التي سيتم الاتفاق حولها. وعن موعد الانتهاء من تشكيل الحكومة بشكل كامل، ذكّر الغنوشي أنه تم اقتراح 25 يوليو/ تموز موعداً لنهاية المشاورات والإعلان عن حكومة وحدة وطنية.
وتُرجّح كل التصريحات والتسريبات أن يتم الإعلان عن اسم رئيس الحكومة قبل عيد الفطر. غير أن النقاشات الحقيقية تدور حول مضامين الحكومة وبرنامج عملها، خصوصاً حول بقاء اتحاد الشغل في هذه المشاورات حتى النهاية، ومصادقته على الورقة الأخيرة إذا ما تم اعتماد أفكاره واقتراحاته، وعدا ذلك ستُعتبر المشاورات فاشلة، لأن جوهر هذه الحكومة، كما أكد السبسي نفسه، يقوم على دعم اتحاد الشغل لهذه الحكومة بما قد يقلص من أبرز معوّقات الحكومة السابقة، الإضرابات وتراجع الإنتاج، أي توفير هدنة اجتماعية.
أما اتحاد الشغل، فأكد في وثيقة مكتوبة اطلعت عليها "العربي الجديد"، وتضمّنت كل مقترحاته، أنه مستعد دائماً للمساهمة في استكمال الانتقال الديمقراطي، ولكنه يشترط إشراك كافة الأطراف الفاعلة، خصوصاً الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب ومكوّنات المجتمع المدني الأساسية، والتزام الجميع بالحوار الجاد، ولكن هذه المشاورات تغيب عنها أحزاب ممثلة في البرلمان، برغبتها أو بغيرها.


واعتبر الاتحاد أنّ الأولويّة المطلقة اليوم تتمثّل في تحمّل كلّ الأطراف، خصوصاً السياسية منها وفي مقدمتها الائتلاف الحاكم، مسؤوليّاتها في التجنّد لإنقاذ الاقتصاد الوطني والنهوض بالوضع الاجتماعي ومقاومة التفاوت المناطقي وتنامي البطالة، لأن "الخيارات السياسية هي التي زادت من تعميق الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على الوضع الاجتماعي". وطالب الاتحاد بالتزام الفريق الحكومي بتنفيذ الإصلاحات التوافقية الكفيلة بإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور ووضع خريطة طريق لذلك.
وعلى مستوى الإجراءات العاجلة ذات البُعد الاقتصادي والاجتماعي، دعا الاتحاد إلى دفع النمو الاقتصادي والتنمية المناطقية العادلة، وصياغة برنامج مفصّل للإصلاحات والإجراءات الاقتصاديّة والاجتماعيّة على المدى القصير، بما في ذلك ملامح ميزانية 2017 وأولويّاتها بعد توضيح الرؤية حول استكمال ميزانية 2016.
وشدّد الاتحاد على وضع استراتيجيات مستعجلة بخصوص القطاعات الحيوية التي تشهد تراجعاً كبيراً في الإنتاج وأدت إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وهي السياحة، الطاقة (النفط)، الزراعة، والنقل، وفق مقاربة توافقية وتشاركيّة مع الأطراف الاجتماعية، وتنفيذ الإصلاحات المتّفق عليها، وتعبئة الموارد الذاتية وتحقيق العدالة الاجتماعية والضريبية، من خلال تفعيل مشروع الإصلاح الضريبي المتفق عليه مبدئياً في إطار الاستشارة الوطنية حول الجباية، وتحميل الأطراف المعطّلة مسؤولياتها والعمل على تفعيل الإجراءات الضريبية التي تم سنّها في إطار قوانين المالية السابقة.
ودعت المنظمة النقابية إلى الإسراع بتبني خطتين وطنيتين، تتعلق الأولى بالنهوض بالتصدير والتعجيل بترشيد الاستيراد، والثانية بتنفيذ المشاريع المعطلة وتفعيل قرارات المجالس الوزارية والمناطقية حول التنمية والمبادرة بتنقيح مشروع القانون المتعلّق بهذه المجالس المناطقية بما يضمن توسيع أعضاء هذه المجالس لتشمل تمثيل الأطراف الاجتماعية والمنظمات الوطنية الأساسية.
وطالب الاتحاد أعضاء الحكومة الجديدة بالانضباط بمقتضيات العمل الجماعي المتضامن والمتناغم، وتوفير مقاييس الكفاءة والخبرة والتواصل، خصوصاً الإيمان بثقافة الحوار الاجتماعي واحترام كافة الحقوق والحريات، في إشارة إلى الانتقادات الواسعة التي وُجّهت لحكومة الصيد بسبب عدم تضامنها، وانشغال كل وزير بمصلحة حزبه الخاصة.
ودعا الاتحاد لتقليص عدد الوزارات عبر حذف بعضها وضم بعض الوزارات إلى أخرى وإعادة منصب كاتب الدولة الذي تم حذفه في الحكومة الأخيرة. كما طالب بألا يكون رئيس الحكومة مقيّداً إلا ببرنامج واضح يحظى على ضوئه بالدّعم، ما قد يشير إلى ضرورة تخفيف حدة ضغط التوازنات السياسية والانتماءات الحزبية. وشدّد الاتحاد على ضرورة وضع مؤسسة للحوار الاجتماعي تحقيقاً لشروط الاستقرار الاجتماعي، وعلى الاستشارة المسبقة قبل اقتراح بعض القوانين على البرلمان، مثلما حصل سابقاً بخصوص مشاريع عديدة اختلفت حولها أحزاب الائتلاف أمام الجميع وهددت بنسف الائتلاف.
وفي مجال آخر، شدد الاتحاد على ضرورة التوافق على مبدأ المصالحة القائمة على المساءلة والمحاسبة، ما يضع شرطاً واضحاً أمام السبسي الذي يطرح بعد العيد مشروع المصالحة من جديد. وتضمّنت الوثيقة عشرات الأفكار الأخرى حول إصلاح عدة مجالات، ما قد يحوّل هذه الحكومة إلى حكومة اجتماعية بامتياز، قد تتعارض مع بعض الأفكار الليبيرالية التي تقترحها أطراف أو مؤسسات أخرى. ولكن الاتحاد يدرك أنه أمام لحظة تاريخية هامة، لا يستطيع الانسحاب منها، ولا التنصل من مسؤولياته، ولكنه في الوقت ذاته يضع شروطه ويحدد شكل مشاركته في مضامين الحكومة بعد التأكيد على عدم مشاركته في عضويتها. وبهذا الشكل يُلقي الاتحاد بالمسؤولية أمام السبسي وبقية المكوّنات السياسية والاجتماعية، التي ستحتاج إلى جهد سياسي كبير لإقناع النقابيين بالتنازل عن بعض مطالبهم في الوثيقة الختامية المشتركة للحكومة، وإلا فسيعود الجميع إلى المربع الأول.

المساهمون