ومنذ بداية السنة الدّراسية نفّذ أساتذة التعليم الثانوي قرابة الأربعة إضرابات عن العمل، متمسكين بمطالبهم المهنية. وقد اختاروا فيها أوقاتا حساسة للضغط على الحكومة، معطلين في المقابل مصالح وامتحانات نحو مليون تلميذ.
إضراب جديد في سلك أساتذة التعليم الثانوي، تزامن هذه المرة مع انطلاق الامتحانات. وذلك احتجاجا على قرار الوزارة باقتطاع أجر يومي إضراب نفذه الأساتذة في 26 و27 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
معلنين الدخول في إضراب مفتوح في ظرف حساس، يمرّ فيه التلاميذ باجتياز امتحانات الثلاثي الأول من السنة الدراسية.
في حديث مع سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم، بيّن لـ"العربي الجديد" ضرورة اعتماد مقاربة تجمع سلطة الإشراف والطرف النقابي بإشراك مؤسسات المجتمع المدني، لتجاوز الأزمة العالقة منذ بداية السنة. محذّرا من تأثير ذلك على التلميذ وتحصيله العلمي، وعلى كامل الأسرة التربوية على حدّ السواء.
الأهالي يتضررون.. والإضراب في المحكمة
وعبر أولياء الأمور عن امتعاضهم وسخطهم من الأزمة العالقة بين النقابة والوزارة. وأشار محمّد طريقي، والد أحد التلاميذ بالسنة التاسعة أساسي، إلى أنّه لاحظ تراجع مردود ابنه مقارنة بالسنوات الماضية، جراء الإضرابات والتوتر الذي شهدته المؤسسة التربوية منذ انطلاق العام الدراسي، ناهيك عن الغيابات المتكررة لبعض الأساتذة.
مضيفا أنّه التجأ إلى الدروس الخصوصية لتدارك النقص الحاصل لابنه في أغلب المواد الدراسية.
ولا يختلف موقف "مفيدة" والدة أحد التلاميذ عن محمّد، فقد عبرت هي الأخرى عن "سخطها من الأسرة التربوية التي باتت لا تفكر سوى في مصالحها الضيقة على حساب التلاميذ"، على حدّ تعبيرها.
وأضافت أنّ الوضع اليوم في البلاد لا يتحمّل مزيدا من المطالب المهنية أو أي زيادات تثقل كاهل الدولة.
إضراب الأساتذة دفع أحد المحامين إلى رفع قضية لدى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية، مطالبا بفتح تحقيق ضدّ كلّ من ساهم في هذا الإضراب، الذي اعتبر أنّه غير قانوني وجريمة في حق التلاميذ.
النقابة: الإضراب مكفول
من جانبه أشار لسعد اليعقوبي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، أنّ النقابة متمسكة بتحقيق مطالب الأساتذة، ولكنّها أوقفت الإضراب مراعاة لسير الدروس ومصالح التلاميذ، والبحث عن سبل التواصل مع الجهات المعنية لإيجاد حل يرضي الطرفين، ولا سيما أنّ مطالب الأساتذة ليست تعجيزية حتى ترفض وزارة التربية تحقيقها.
مضيفا أنّ حق الإضراب يكفله الدستور التونسي، ولا حق للدّولة أن تقتطع أيام الإضرابات من أجور المضربين.
وتتمثل مطالب الأساتذة بالأساس في زيادة الأجور وتحسين المنح الخصوصية التي تم التفاوض فيها. بالإضافة إلى النظر فى الوضع الذي آلت إليه المؤسسة التربوية، وتفشي ظاهرة العنف، والمطالبة بحماية مؤسسات التربية والعاملين فيها.
وبيّن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي أنّ ترحيل المفاوضات إلى الحكومة القادمة، سيربك الاستقرار الاجتماعي في الفترة المقبلة.
مؤكدا تمسك الاتحاد بإنجاز المفاوضات الاجتماعية بالنسبة للقطاع العام والوظائف العمومية قبل نهاية هذا العام. وعدم القبول بالتعلل بصعوبة الظرف الاقتصادي.
وشدد العباسي أنّ "الاتحاد لن يقبل أن تكون التضحية على حساب الأجراء والموظفين فقط، معبرا عن اعتقاده بأن الحكومة الحالية مخطئة إن اعتقدت أن تخفيف العجز لا يكون إلا بالضغط على الدعم وعلى الأجور، خاصة وأنّها لم تسعَ حقيقة، على حد قوله، لإيجاد الموارد اللازمة لمواجهة طلبات الكادحين في ترميم مقدرتهم الشرائية".