تحوم اتهامات خطيرة حول نشاط عدد من الجمعيات الخيريّة في تونس، مع شبهات حول ضلوع عدد منها في الإرهاب، وفي تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر وتمرير الأسلحة والمؤونة إلى المقاتلين. ويأتي تعليق نشاط 157 جمعية خيريّة، على علاقة بالإرهاب من أصل 4 آلاف جمعية خيرية، ليغذي مخاوف التونسيين، في وقت يعتبر فيه المراقبون أنّ هذا الجهد ليس كافياً، مشيرين إلى أنّ من أبرز التحدّيات التي ستواجه حكومة الحبيب الصيد، فتح ملف الجمعيات الخيرية في تونس، وخصوصاً بعد تنامي أعدادها بشكل غير مسبوق إبان الثورة التونسية، وتجاوز عددها الإجمالي 17 ألف جمعية.
وفي سياق متّصل، يلاحظ رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الفساد، إبراهيم الميساوي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أنّ "الحكومات المتعاقبة لم تُخضع الجمعيّات لأي رقابة، مما سمح لبعضها بالقيام بأنشطة مشبوهة وتسهيل تحرّكات الإرهابيين"، مشيراً إلى أنّ المرسوم 88، الصادر بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2011 والمتعلق بالجمعيات والأحزاب، سهّل تكوين الجمعيات، وفيما يقوم 0.5 في المائة من إجمالي الجمعيات بأنشطة فعلية، لا تضطلع البقية بأي دور".
اقرأ أيضاً: الكلمة للمجتمع المدني في تونس
وتشكّك أطراف عدّة في دور عدد من هذه الجمعيات، التي تبدو بمثابة غطاء، تتخفّى وراءه الجماعات الإرهابيّة لتسهّل تحرّكاتها وتنقل الأسلحة والمواد التموينية بدون أدنى رقابة. ويوضح الميساوي أنّ "هناك أموالاً طائلة تدخل في الحسابات المصرفيّة للجمعيات، من دون أن يعرف أحد مصدرها أو كيفية إنفاقها"، لافتاً إلى "رصد لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي، في عهد الحكومة السابقة، نحو 250 شبهة متعلقة بجمعيات خيرية، من دون أن تُعلن نتائج التحقيقات وأسماء الجمعيات المشبوهة".
ويدعو الميساوي المصارف التونسية، إلى "كشف التحويلات المخصصة لفائدة هذه الجمعيات، ولا سيما أنّ عدداً يشكّل غطاء لأحزاب سياسية، ذلك أنّ المرسوم 87 يمنع على الأحزاب، تلقي أموال من الخارج في حين يسمح للجمعيات بذلك، وهو ما يبرّر انشاء جمعيات لتحظى بالدعم المادي الخارجي".
وتُعدّ جمعية "تونس الخيريّة"، من بين الجمعيات التي طالتها انتقادات كثيرة في هذا السياق، خصوصاً أنّ بعض الأطراف تحسبها على حركة النهضة والمؤتمر، وكان يرأسها سابقاً عبد المنعم الدايمي، شقيق الأمين العام لحزب "المؤتمر" عماد الدايمي. لكنّ رئيس الجمعية الحالي، سامي بن يوسف، يصف لـ "العربي الجديد"، أغلب الاتهامات لناحية تعاملهم مع الجماعات المتشدّدة والإرهابيّة، بأنّها "خطيرة جداً وباطلة"، معتبراً أنّ "الحملات التي تعرّضت إليها الجمعيّة، أساءت كثيراً للعمل الخيري الذي كانت تؤديه". ويلفت إلى أنّ "الجمعية تنشط في إطار قانوني وتتعامل مع جهات دولية، تربطها بتونس علاقات دبلوماسية، والغاية تمويل مشاريع ومساندة مجهود الدولة".
اقرأ أيضاً: تونس: جمعيات بيئيّة تقدّم قوائم مستقلة للانتخابات التشريعيّة
ويشدّد بن يوسف على أنّ "المنخرطين في الجمعيات الخيريّة ليسوا إرهابيين، كما يُروّج البعض، بل هم أبناء تونس"، مشيراً إلى أنّ "رقابة الدولة موجودة وتقاريرهم المالية يتمّ نشرها باستمرار، ولا خشية من كشف مصادر التمويل ولا البرامج".
من جهته، يعتبر العميد السابق في الجيش الوطني، رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، مختار بن نصر، أنّ "تفكيك الجمعيات أمر صعب بل دقيق جداً، لارتباط بعضها بشبكات معقّدة ومتشعبّة، منها الشبكات الإرهابية"، معتبراً أنّ "مراقبة مختلف هذه الجمعيات ليس بالأمر السهل". ويرى أنّ "من شأن العدد الضخم للجمعيات وارتباطها بشبكات إرهابية وأخرى حزبية وسياسية، أن يعقد مسألة حلّها أكثر".
17 ألف جمعية
وفي الإطار ذاته، يشير الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، كمال الجندوبي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "عملية المسح الدقيقة للجمعيات غير متوفرّة حالياً"، معتبراً أنّ "العملية قد تكون معقّدة، لأنّ هناك عدداً كبيراً من الجمعيات يفوق الـ 17 ألف جمعية".
وفي موازاة إشارته إلى أنّ "القانون المنظم للجمعيات كان مكسباً هاماً"، يقول إنّه "طرح عدداً من الإشكاليات، بعدما تبيّن بالتجربة، أنّ هناك الكثير من النواقص، وهناك جمعيات قامت بأدوار مشبوهة وأخرى ظهرت من دون أي إطار قانوني". ويعتبر أنّ من شأن "المسح الدقيق أن يقدّم معطيات دقيقة، ومعالجة الموضوع بطريقة ناجعة، وإن كانت المعالجة صعبة حالياً".
ويعتبر الجندوبي أنّ "الخطة التي أحدثتها الحكومة، والمتعلّقة بربط الصلة بين السلطة والمجتمع المدني، هي خطة جديدة"، ملاحظاً أنّه "للمرة الأولى في تونس يصار إلى احداث مثل هذه المقاربة". ويشير إلى أنّ "هناك إجراءات بخصوص الجمعيات وبرنامج عملها، سيجري الكشف عنها قريباً".