ويبدو أن رئاسة الجمهورية قد انتبهت إلى أن المرور إلى الإصلاحات الكبرى يحتاج إلى دعم أوسع من الأحزاب، ومن الكتل البرلمانية المساندة والرافضة للحكومة، وسندا قويا من قبل شخصيات مستقلة لإقناع النواب والرأي العام بجدوى المشاريع المقدمة.
وكان الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، قد بدأ، منذ فترة، في عقد لقاءات مع نواب وشخصيات سياسية من انتماءات عدة، إذ جمعه لقاء بالنائبين عن "كتلة الحرة"، مصطفى بن أحمد ووليد الجلاّد، وتناول اللقاء "أهميّة إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي، ومسؤولية كل الأطراف في دعم حكومة الوحدة الوطنيّة".
والتقى السبسي، أيضا، عضو النائب عن "الجبهة الشعبية" الرافضة لمبادرة حكومة الوحدة الوطنية، ورئيس لجنة المالية، منجي الرحوي، حيث تم بحث "السبل الكفيلة بتحقيق الموازنات المالية الكبرى للدولة، والمشاريع المعروضة على مجلس نواب الشعب في هذا المجال"، وفق بيان الرئاسة، كما جرى التطرّق لـ"الحراك السياسي الذي تشهده البلاد، وضرورة تكاتف جهود الجميع لخلق مناخ ملائم لدفع عجلة الاستثمار والتنمية، خاصة بالمناطق الداخليّة".
ويأتي لقاء الرحوي برئيس الجمهورية في وقت يسجل متابعون وجود توتر بينه وبين حزبه "الجبهة الشعبية".
وقال النائب عن الجبهة، مراد حمايدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعوة إلى تكوين جبهة سياسية مسألة غريبة، ولا تخلو من مغالطات للرأي العام"، موضحا أنه "سبق لرئاسة الجمهورية أن دعت إلى تكوين حكومة وحدة وطنية، جمعت أحزابا ممثلة في البرلمان، وحتى من خارج البرلمان، وهذه المبادرة تساندها 3 منظمات وطنية كبرى"، معتبرا أن "حكومة الشاهد صوّت لها 167 نائبا، في مقابل معارضة قليلة لا تتعدى 30 نائبا، وبالتالي فإن البحث عن "حزام سياسي" آخر أوسع وأكبر لا يكون إلاّ إقرارا بفشل مبادرة حكومة الوحدة الوطنية".
وأضاف حمايدي أنّه "لا توجد أي جبهة أخرى أوسع وأرقى من كيان وحدة وطنية، وبالتالي فإنّ الدعوة إلى جبهة سياسية أخرى هو إما إقرار بفشل مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، والتي يبدو أنها انتهت بمجرد تشكيل الحكومة"، مبينا أن "المسار، ومنذ انطلاقته، كان مغشوشا، ما يدعم موقف الجبهة الشعبية التي رفضت الانخراط فيه منذ بدايته".
واعتبر النائب عن "كتلة الحرة"، الصحبي بن فرج، أنّ "البحث عن جبهة سياسية، وبعد شهر واحد من تشكيل الحكومة، لا يستقيم منطقيا"، مبينا أن "حكومة وحدة وطنية تعني دعما سياسيا واسعا".
وأضاف بن فرج، لـ"العربي الجديد": "يبدو أن الدعم الذي تحظى به حكومة الشاهد هو دعم تقني وشكلي، تم فقط من خلال منح الثقة للحكومة، ولكن على مستوى الواقع تبين أن هذه الأحزاب المنضوية تحت راية حكومة وحدة وطنية لا تدافع عن خيارات الحكومة، ولا تمثل سندا كافيا لها، وأن خيارات الحكومة لا تعنيها، بالإضافة إلى أن عددا من الأصوات لا تمثيل نيابياً لها، وليس لها العمق الشعبي الذي يجعلها فاعلة أو مدافعة عن خيارات الحكومة".
وأشار إلى أنّ "هذا الأمر جعل حكومة الشاهد تبدو وكأنها حكومة تكنوقراط"، مبينا أن "كتلة الحرة" سبق أن طالبت بـ"تكوين جبهة سياسية واسعة، على أن يكون من ضمن نشاطاتها أو مهامها توفير الدعم السياسي للحكومة،" معتبرا أن "البعض الآخر ربما يريد من خلال الدعوة لجبهة سياسية التأسيس لحزب جديد، قد يشكل البديل في صورة تلاشي حزب "نداء تونس"، الذي يشهد عدة صراعات".
وأكد النائب عن "حركة النهضة"، العجمي الوريمي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الأحزاب التي وقعت على "وثيقة قرطاج" تساند حكومة الشاهد، "لكن على أرض الواقع تبدو هذه المساندة ضعيفة وغير مترجمة على الميدان"، معتبرا أن هذه الإشكالية تم الانتباه إليها عند الحديث عن إصلاحات وقرارات مصيرية ستقدم عليها الحكومة، والتي قوبل البعض منها برفض كبير من النواب ومن الرأي العام.
وأضاف الوريمي أن "حكومة الشاهد رغم نيلها نسبة عالية من الأصوات، إلا أنه يبدو أن هذا الدعم غير كاف، ولا بد من سند سياسي واجتماعي أقوى يمكنها من القيام بالإصلاحات التي ستقدم عليها".
وأوضح المتحدث أنّ "الظرف الدقيق الذي تمر به تونس، ومع اقتراب الإعداد لميزانية 2017، يتطلب من الأحزاب التي أمضت "وثيقة قرطاج"، وبقية الفاعلين السياسيين، التناغم أكثر مع الإصلاحات القادمة، وأن يكونوا بمثابة جسر تواصل بين الحكومة وبين الرأي العام".
وقال النائب عن حزب "الاتحاد الوطني الحر"، توفيق الجملي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا بد من سند سياسي لحكومة الشاهد"، مبرزا أن "السند موجود من قبل الأحزاب التي مضت على "وثيقة قرطاج"، ولكن إن اختارت أحزاب أخرى دعم الحكومة فسيكون ذلك من النقاط الإيجابية".
وأكد الجملي أن حكومة الشاهد "تبقى الأمل الأخير للنهوض بأوضاع التونسيين"، معتبرا أن أمامها فرصة هامة للقيام بإصلاحات، و"بالتالي لا بد لها من سند سياسي من طرف الأحزاب، وتشريعي من النواب"، مشيرا إلى أن "رئيس الحكومة مطالب، من جهته، بالتشاور مع الأحزاب الموقعة على "وثيقة قرطاج" لكي لا تشعر أنها مقصية من القرار".