بلغت لجنة التحقيق البرلمانية التونسية حول المتورطين في شبكات تسفير الشباب إلى بؤر القتال والإرهاب منعطفاً خطيراً في مسار أعمالها، إثر إقالة رئيستها، ليلى الشتاوي، وتوقف أعمالها بصفة وقتية.
وأرجأت نهاية هذا الأسبوع لجنة التحقيق البرلمانية اجتماعاتها الدورية، التي تنعقد أيام الاثنين والجمعة عادة، بسبب إبعاد رئيسة اللجنة، كما ستتوقف أعمالها وقتياً إلى حين استقرار الأمور والاتفاق على رئيس جديد لها.
وتعرف لجنة التحقيق منذ تشكيلها في يناير/كانون الثاني الماضي، صعوبات ومطبات حالت دون تقدم أشغالها، وأمضت أشواطاً من الصراع بين مكوناتها الحزبية حول وسائل العمل وطرقها حتى إنها لم تتمكن إلا من إجراء استماع يتيم لوزير الداخلية لم يضف الكثير عما يتم تداوله في التقارير الإعلامية.
ويرى مراقبون أن لجنة التحقيق هذه ولدت ميتة، وأن أعمالها لا تتجاوز "ذر الرماد في العيون"، بسبب محدودية صلاحياتها التي تحول دون التوغل في التحقيقات، كما أنها تجاوزت اختصاصها البرلماني الذي يقف عند البحث السياسي للتدخل في اختصاص السلطات القضائية وخاصة القطب المكلف بالقضايا "الإرهابية" المشرف على هذه الملفات.
وشهدت هذه اللجنة أزمات وهزات عديدة خلال الشهرين الماضيين، كانت رئيستها محور الخلاف، حيث يرى نواب حركة "النهضة" أنها تنفرد بالقرار وتسير عكس مسار الديمقراطية التشاركية، وبلغ الأمر حد التلاسن حيث قالت محرزية العبيدي النائبة عن النهضة إن الشتاوي تنفرد بالقرار وتتعامل مع اللجنة كملكيتها أو كلجنتها الخاصة، وجاء ذلك إثر إعلان رئيسة اللجنة عن قائمة الشخصيات السياسية التي ستتم دعوتها للاستماع والتحقيق.
وطلب رئيس كتلة "نداء تونس" سفيان طوبال من مكتب البرلمان بصفة رسمية إقالة النائبة ليلى الشتاوي من جميع الهياكل البرلمانية التي تمثل فيها كتلة "النداء"، وكانت البداية بإقالتها من لجنة التشريع العام، كما راسل طوبال رئيس مجلس نواب الشعب ليعلمه بقرار إقالة الشتاوي من عضوية كتلة نداء تونس منذ يوم 21 إبريل/نيسان الجاري، وفعلاً أقر مكتب البرلمان ذلك وقرر الإعلان عن ذلك في الجلسة العامة المقبلة، حسب بلاغ رسمي صادر عن مجلس الشعب.
وللتذكير فإن قيادات من الحزب اتهمت الشتاوي بأنها كانت وراء تسريب التسجيلات الصوتية لاجتماعات الحزب التي تسببت في أزمة كبيرة.
وأكدت الشتاوي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها استقالت "من الحزب والكتلة التي حاد القائمون عليها عن المبادىء والقيم التي تؤمن بها"، معتبرة أن "ترؤسها للجنة التحقيق حول المتورطين في شبكات التسفير إلى بؤر القتال والرغبة الملحة في طمس الحقائق حول الجرائم المخفية والإصرار على حماية المتورطين السياسيين يترجم حجم الضغوط التي تعرضت لها، أخيراً، من داخل نداء تونس ومن أحزاب أخرى".
وأعلنت الشتاوي في تدوينة على صفحتها الرسمية في "فيسبوك" عن قرار استقالتها من حزب حركة "نداء تونس" ومن كتلته بالبرلمان، قائلة "إن تعرضي لشتى أنواع الدسائس والمؤامرات من داخل حزبي نداء تونس منذ أن طرحت تشكيل لجنة التحقيق في التسفير جعلني اقتنع باستحالة مواصلة العمل داخل الكتلة والحزب وفق قناعاتي التي لا يمكن لي التخلي عنها، ورغم انسحابي فإني مازلت متمسكة بالمشروع الأصلي وعازمة على مواصلة التصدي لكل مظاهر الانحراف التي حلت به".
وسواء كانت إقالة او أستقالة، فإن الشتاوي فقدت بطردها أو بعد انسلاخها عن الكتلة الحق في ترؤس لجنة التحقيق حسب النظام الداخلي للبرلمان، الذي ينص البند 45 منه على أنه "إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه أو الكتلة التي انضمّ إليها، فإنه يفقد آلياً عضويته في اللجان النيابية وأي مسؤولية في المجلس تولاها تبعا لانتمائه ذاك. ويؤول الشغور في كل ذلك إلى الجهة التي استقال منها".
وبإبعاد الشتاوي ينخفض عدد أعضاء كتلة "نداء تونس" إلى 63 نائباً فيما كانت تضم 86 عضواً عند انطلاق أعمال البرلمان نهاية العام 2014، وتحافظ رغم تواصل التقهقر على المرتبة الثانية بعد كتلة حركة النهضة الإسلامية التي تتصدر المشهد البرلماني بـ69 عضواً.