يتوقع خبراء الاقتصاد أن إنهاء حالة الطوارئ في تونس يمكن من بعث رسائل طمأنة للمستثمرين والأسواق السياحية التي لا تزال تراقب تحسن الوضع الأمني بحذر شديد، وخاصة أن العديد من الدول لا تزال تضع تونس على قائمة الدول الخطرة بالنسبة لرعاياها.
وكان إعلان حالة الطوارئ في تونس من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في يوليو/تموز الماضي قد أثار العديد من الانتقادات حيث اعتبرت منظمة العمال وأحزاب سياسية معارضة للائتلاف الحكومي أن الطوارئ ستزيد من سوء الحالة الاقتصادية في البلاد وهو ما جعل الحكومة تستعجل إنهاءه.
ومكّن قانون الطوارئ حسب مسؤولين حكوميين من الحد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية التي اضطرت قوات الأمن في بعض المناسبات إلى منعها بالقوة، وهو ما ساهم في زيادة تحسين نسبة الإنتاجية وتراجع الإضرابات في القطاع الخاص بنسبة 37% الشهر الماضي.
وبالإضافة إلى رفع حالة الطوارئ تجتهد الحكومة في تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية لاسترجاع العديد من المشاريع الاستثمارية المتوقفة أو اكتساح أسواق جديدة بالإضافة إلى العمل على تحسين صورة الوجهة السياحية التونسية عبر الصالونات والمعارض المختصة.
وتبدي الحكومة نوعاً من التفاؤل بتحسن الوضع الاقتصادي بقية العام الحالي والعام المقبل، حيث أعلن وزير المالية سليم شاكر أن تونس تتطلع إلى تحقيق نسبة نمو في حدود 2.5%.
ويرى الخبير الاقتصادي، محمد الجراية، أن رفع قانون الطوارئ يمثل عنصراً من بين مجموعة الشروط التي يجب أن توفرها الدولة لتحسين مناخ الاستثمار وضمان تدفق المشاريع الخارجية، مشيراً إلى أن حالة الطوارئ مكنت أيضاً من تحسين الوضع الأمني.
وأوضح الجراية، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن إنهاء حالة الطوارئ سيسهل عملية انسياب السلع سواء بين المحافظات أو على الحدود وهو ما سيمكن من تحسين المبادلات التجارية مع بلدان الجوار نتيجة تخفيف اجراءات المراقبة في المعابر الحدودية.
وأضاف أن عودة الاستثمارات الخارجية مرتبطة بدرجة أولى بتحسين مناخ الأعمال وتطوير القوانين، لافتاً إلى ضرورة إسراع البرلمان في المصادقة على قانون الاستثمارات الجديد، والدخول في مرحلة متطورة تمنح المستثمرين ضمانات أكبر وسلاسة في الإجراءات الإدارية.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن التعقيدات الإدارية والفساد يساهمان بشكل كبير في صد المستثمرين عن العودة إلى تونس رغم كل الضمانات الأمنية التي تحاول الحكومة تقديمها، حسب قوله.
وشهدت الاستثمارات الخارجية خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الحالية، وفق المؤشرات الأخيرة لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (مؤسسة عمومية تعنى بالاستثمارات الخارجية) ارتفاعاً إلى 1.622 مليار دينار (854 مليون دولار)، بزيادة 41% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014.
ولا تزال نتائج رفع حالة الطوارئ على القطاع السياحي غير واضحة حيث يرى مهنيو القطاع أنها خطوة إيجابية نحو رفع الحصار الذي تضربه وكالات الأسفار العالمية على السوق التونسية بتعلة الوضع الأمني معتبرين أن إنهاء الطوارئ سيشجع العديد من البلدان التي تضع تونس على لائحة الدول الخطرة على مراجعة موقفها.
اقرأ أيضاً: عمال القطاع الخاص في تونس يصعّدون بالإضراب
وتترقب وزارة السياحة أن تقوم بريطانيا التي فقدت 34 سائحاً في عملية المنتجع السياحي بسوسة في يونيو/ حزيران الماضي بتخفيف إجراءات منع رعاياها من السفر إلى تونس أو إلغاء هذا القرار نهائياً معتبرة أن القرار البريطاني سيعيد شركة الرحلات "توماس كوك " البريطانية (أكبر شركة سياحة تتعامل مع تونس) إلى السوق التونسية.
وكانت الشركة السياحية البريطانية "توماس كوك" قد أعلنت في منتصف أغسطس/آب الماضي، عن قرارها بإلغاء رحلاتها نحو تونس إلى غاية 13 فبراير/شباط 2016.
وأشارت الشركة أن هذا القرار يعود إلى النصائح التي جدّدتها الخارجيّة البريطانية بعد قيام رئاسة الجمهورية التونسية بتمديد حالة الطوارئ لشهرين إضافيين بعد انتهاء المدة الأولى والتي حُددت بشهر واحد فقط.
وقررت السويد، الثلاثاء الماضي رفع حظر السفر على رعاياها باتجاه تونس، فيما حذرتهم من التنقل إلى المناطق الحدودية والمتاخمة لجبل الشعانبي، ويأتي هذا القرار على خلفية عدم حصول أي حادث لافت خلال الأشهر الثلاثة المنقضية.
ورغم إعلان شركة ريو الإسبانية التي تدير مجموعة من النزل في تونس عن المغادرة، قالت مصادر وزارة السياحة إنها تترقب بداية من العام القادم تدفق استثمارات جديدة، مشيرة إلى أن سلسلة "هلتون" الأميركية أعربت عن رغبتها في الاستثمار في تونس عبر مجموعة من الفنادق ستكون على الأغلب في تونس العاصمة.
ويعتبر المكلف الإعلامي بوزارة السياحة سيف الشعلالي، أن تدفق استثمارات جديدة في القطاع دليل على أنه بدأ يتعافى وأن الأزمة التي مر بها ستنتهي قريباً وفق تصريحه لـ "العربي الجديد".
ويتوقع الشعلالي أن ترفع العديد من البلدان الأوروبية حظر السفر إلى تونس عن رعاياها في الفترة القليلة المقبلة، مؤكداً أن القطاع السياحي سيحصد قريباً نتائج قرار إنهاء حالة الطوارئ.
وشهد القطاع السياحي منذ بداية العام تراجعاً في عدد السياح الأجانب بنسبة تناهز 75%، كذلك طاول هذا التراجع عدد الليالي التي انخفضت بنسبة 9% و76.6% مقارنة مع عامي 2013 و2010، ما جعل تونس تخسر أكثر من 50% من مداخيل العملة الصعبة.
ومن المنتظر أن تنهي تونس العام الحالي بنسبة نمو لا تتجاوز 0.5% وهي نسبة اعتبرها خبراء الاقتصاد عادية بالنظر إلى الظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها البلاد عقب عمليتين إرهابيتين من النوع الثقيل في مارس/أذار الماضي ويونيو/حزيران، أدتا إلى قرابة 60 قتيلاً وهو ما أجبر رئيس الجمهورية على إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
اقرأ أيضاً: توقعات النمو الاقتصادي في تونس تثير جدلاً