تونس تنفتح على جيرانها الأفارقة لمزيد من النمو الاقتصادي

23 يونيو 2014
الرئيس التونسي منصف المرزوقي(فتحي بلعيد/ فرنس برس/getty)
+ الخط -
حكم التاريخ، ونصف الجغرافيا على تونس أن تبقى شاخصة ببصرها باستمرار في اتجاه شمالها، وارتبط اقتصادها ونمط حياة أهلها بالقارة الاوروبية، لتهمل نصفها الجغرافي الثاني الممتد إلى الجنوب نحو القارة الافريقية، لما يتيح لها إمكانية الاستفادة والإفادة. فقد قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي: إن استراتيجية تونس بعد الثورة، "تتجلى في الانفتاح على إفريقيا لما تمثله من عمق استراتيجي وسوق واعدة للاقتصاد المحلي".

الدبلوماسية الاقتصادية التونسية

وأمام النمو الافريقي المتزايد عاماً بعد عام وعودة الاستقرار السياسي والأمني الى أغلب بلدان الصحراء الافريقية، بدأت الديبلوماسية الاقتصادية التونسية تتعامل بجدية أكبر مع محيطها الافريقي، وتحاول أن تسابق الزمن والمنافسين لتفادي أخطاء الماضي والاستفادة من إمكانيات المستقبل.
ويحل الرئيس التونسي ضيفاً على أربع دول إفريقية في سابقة ديبلوماسية اقتصادية تعكس عمق الوعي التونسي الجديد بأهمية الاستفادة من النهضة الافريقية، إذ يزور على التوالي، مالي، النيجر، التشاد، والغابون، محملاً بفكرة أساسية مفادها أن "تونس اليوم يجب أن تنظر إلى ما وراءها وتنسى أوروبا من أمامها، فتونس لديها كل النوايا لتحسين العمل مع الجوار الافريقي بعد 30 أو 40 سنة من الغياب. وأمام التواجد التركي والمغربي المهم اليوم في إفريقيا، تونس لديها تبادل بقيمة 3 % فقط مع الدول الإفريقية، وهو ما يعد أمراً مخجلاً، حيث يبلغ التبادل التجاري بين تونس والدول الافريقية حوالي 490 مليون دولار فقط سنة 2013".
وبلغ عدد الشركات التونسية التي تتعامل مع السوق الافريقية بمبادرات فردية حوالي ألف شركة، في سوق مفتوحة تحقق نمواً سنوياً يفوق 5% ومستعدة للاستفادة من الخبرات والاستثمارات الأجنبية.

ارتفاع النمو في القارة السوداء

وتوقع البنك الدولي، أن ارتفاع أسعار المواد الأولية التي تصدرها الدول الافريقية وزيادة الاستثمارات، إضافة الى تعافي الاقتصاد العالمي، عوامل ستتضافر لرفع معدل النمو في هذه الدول الى أكثر من 5 في المئة، وقال إن "الاستثمارات الخارجية المباشرة في الدول الافريقية ستبلغ مستويات قياسية في السنوات المقبلة، تصل الى 54 مليار دولار بحلول عام 2015".
وبلغ حجم التجارة التركية مع دول القارة الإفريقية 14.1 مليار دولار عام 2011، مقابل تسعة مليارات دولار في الفترة بين 2005 و 2010 ، ويتوقع وصولها بحسب مسؤوليها إلى 50 مليار دولار في المستقبل.

تعزيز التبادل التجاري

وبدأت الديبلوماسية الاقتصادية التونسية منذ مدة، بالاعتماد على "استراتيجية شرسة" للفت الانتباه الافريقي الى ما يمكن أن تقدمه تونس لإقامة شراكة، إذ نظمت بداية شهر يونيو/حزيران، مؤتمراً كبيراً تحت عنوان "تونس وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: نحو استراتيجية لتحقيق التكامل المستدام"، شهدت مشاركة 32 بلداً، تم خلالها تعزيز التبادل التجاري بين تونس والدول الإفريقية.
وقال المرزوقي، أمس الاحد، في افتتاح المنتدى الاقتصادي بين تونس والنيجر: إن استراتيجية تونس بعد الثورة، هي الانفتاح على إفريقيا لما تمثله من عمق استراتيجي وسوق واعدة للاقتصاد التونسي، وذلك في إطار شراكة حقيقية تعود ثمارها بالمنفعة على البلدين. ويرافق المرزوقي في زيارته الى البلدان الافريقية وفد كبير يضم عشرات المؤسسات الاقتصادية الخاصة والحكومية و أكثر من 100 رجل أعمال بالاضافة الى عدد كبير من الوزراء.

توقيع اتفاقيات

وتوصلت تونس الى التوقيع على عشر اتفاقيات مع دولة مالي شملت قطاعات متعددة مثل التعليم العالي والبحث العلمي وقطاع المناجم والطاقة والتأمين، والميدان الثقافي والديني. ويذكر أن مالي حققت نمواً يزيد عن 5% هذا العام ويتوقع أن تحقق نمواً بين 6% و 7% في الأعوام الخمسة القادمة وهو ما يمثل أرضاً خصبة للاستثمار والتبادل الاقتصادي على جميع المستويات.
كما وقعت تونس مع النيجر، ثاني محطات زيارة المرزوقي، جملة من الاتفاقيات المهمة شملت قطاعات حماية المحيط والسياحة والتكوين المهني والبريد والتأمين والمصارف، وغيرها، بالاضافة الى بروتوكول تعاون بين غرفتي التجارة و الصناعة بين البلدين.
وطالب المرزوقي بدعم تونس في طلبها التوقيع على اتفاقية التبادل الحر مع المجموعة الاقتصادية والمالية لغرب إفريقيا، والذي يعد من أهم الفضاءات في القارة السمراء، ويضم كلا من النيجر، بوركينا فاسو، السينغال، الطوغو، البنين، والكوت ديفوار، وغينيا بيساو، وذلك لما يمثله الانضمام الى هذا التكتل الاقتصادي الاقليمي من توسيع للافاق الاقتصاد التونسي، وهو ما يعكس الإرادة القوية لتونس لتكون جزءاً حقيقياً و فاعلاً من الواقع الاقتصادي الافريقي لا مجرد متبادل أجنبي للسلع.

شراكة حقيقية

ويواصل المرزوقي والوفد التونسي "رحلة الاستكشاف اللافتة"، الى إفريقيا عبر توقيع اتفاقيات جديدة في كل من التشاد والغابون جنوباً، في حين يواصل رئيس حكومته مهدي جمعة، النظر عبر عيون حالمة شمالاً دونما تنافس بين الاتجاهين، لمحاولة إخراج تونس من وضعها الاقتصادي الراهن و العبور بها الى شراكات جديدة قد تفتح آفاقا أرحب للمستقبل.
ويبدو أن تونس تريد الاستفادة من التجربة المغربية الناجحة في هذا المجال، لذلك أشار بيان  مجلس الأعمال المغربي - التونسي المنعقد أواخر الشهر الماضي إلى "إمكانية استكشاف واستغلال الفرص الاستثمارية في الأسواق الإفريقية عبر فروع مشتركة، وتولي المشاركات في الرساميل بتوافق مع شراكة إستراتيجية وتجارية، دون إغفال أي شكل آخر للانفتاح على إفريقيا" لاعتبار أن "إفريقيا، خصوصاً جنوب الصحراء، تمثل الحدود الجديدة للنمو والتطور للاقتصاد العالمي".

دلالات
المساهمون