يبدو أن سياسة الصفح ستكون الحل الأخير لحكومة الحبيب الصيد لدفع عجلة الاقتصاد التونسي الذي دخل طور الانكماش منذ أكثر من عام، ورغم الجدل الكبير الذي أثاره مشروع قانون المصالحة الاقتصادية ومعارضة أحزاب وجمعيات مدنية له والتظاهرات الشعبية ضده، تمضي الحكومة قدماً في تمرير المشروع، مستندة إلى الأغلبية البرلمانية التي يمنحها الائتلاف الحاكم المكون من حركتي نداء تونس والنهضة.
ولم تقدم الحكومة أية أرقام رسمية عن العائدات المادية التي ستوفرها مصالحة رجال الأعمال المتورطين في الفساد، ولا عن الطرق التي سيتم بها استرجاع هذه الأموال، مكتفية بالإشارة إلى أن ما ستوفره المصالحة سيوجه أساساً للاستثمار في المحافظات الداخلية التي تشكو ضعفاً كبيراً في التنمية والمشاريع الاقتصادية.
ويرى معارضون أن القانون يتستر على المخالفات التي ارتكبها رجال الأعمال في عهد بن علي والذين دعموا نداء تونس خلال الحملة الانتخابية ويقوض من مهمة هيئة الحقيقة والكرامة.
وبموجب القانون الجديد تتوقف إجراءات التقاضي ضد المسؤولين ورجال الأعمال إذا كشفوا عن الأموال التي نهبوها أمام لجنة مصالحة. ومن الممكن أن تُفرض غرامات وتُجمد أرصدة المخالفين ثم يتم توجيهها إلى المناطق الفقيرة. ولا يُسمح باستئناف أحكام اللجنة.
ويتوقع الخبير الاقتصادي معز الجودي أن توفر المصالحة مع رجال الأعمال المشتبه في تورطهم بالفساد نحو 500 مليون دينار (260 مليون دولار)، مشيراً إلى أن القانون سيمكن من طي صفحة الماضي وإجراء مصالحة اقتصادية تعيد الثقة لرجال الأعمال وتدفع الاستثمار الداخلي وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
ويعتبر الجودي أن غياب المصالحة الاقتصادية سيؤدي إلى مزيد من العزوف على الاستثمار الداخلي وابتزاز رجال الأعمال من قبل الأطراف التي لا ترغب في استقرار البلاد.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن عودة الاستثمار الداخلي ستبعث برسائل طمأنة إلى المستثمرين الأجانب وستحسن مناخ الأعمال وفق تقديره، متوقعاً أن تؤدي المصالحة إلى الرفع في نسبة النمو في السنوات القادمة، معتبراً أن تكبيل الكثير من رجال الأعمال وإقصائهم من المشاركة في الدورة الاقتصادية أدى إلى الانكماش الاقتصادي ولجوء تونس إلى الاقتراض الخارجي لسداد عجز الموازنة.
وينشط جزء كبير من رجال الأعمال المعنيين بقانون المصالحة في الأنشطة البترولية والصناعات المعملية والسياحة، ويواجه هؤلاء تهماً بالانتفاع غير القانوني من امتيازات جبائية ومصرفية بحكم قربهم من النظام السابق.
وقال مدير الديوان الرئاسي رضا بلحاج، إن قائمة المعنيين بالمصالحة الاقتصادية لن تشمل عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأصهاره، مشيراً إلى أن الدولة ستواصل تتبعهم من أجل استرجاع الأموال المهربة وفق تصريحات صحفية.
وقدر بلحاج، العدد الإجمالي للموظفين السامين والمسؤولين السابقين الذين سيشملهم مشروع قانون المصالحة الاقتصادية بـ 7 آلاف قابل للزيادة.
وتعارض العديد من الأطراف السياسية ما اعتبروه سياسة العفو عما سلف التي تنتهجها الحكومة بحجة الصعوبات الاقتصادية، معتبرين أن تمرير هذا القانون سيفتح الباب على مصرعيه للفساد ولمزيد من ثراء "الفاسدين" بغطاء قانوني ومباركة حكومية.
ودافع معز الجودي رئيس الجمعية التونسية للحوكمة المعنية بقطاع الأعمال عن القانون، قائلاً إنه سيسرع من تسوية النزاعات ويحسن من المناخ العام للأعمال، وأكد أنه على النقيض من ذلك يمكن أن تستغرق إجراءات هيئة الحقيقة والكرامة ما يصل إلى 5 سنوات.
اقرأ أيضاً: تونس تستعد لبيع ممتلكات وعقارات المخلوع بن علي