تزامنت الذكرى الـ63 لإعلان الجمهورية التونسية، اليوم السبت، مع أزمة سياسية وحزبية خانقة، غذتها استقالة الحكومة وتصاعد الصراع بين مكونات المشهد البرلماني، لتسجل البلاد إلغاء الاحتفالات الرسمية للمرة الثانية على التوالي في تاريخها، كانت الأولى العام الماضي؛ بسبب رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي.
وتعيش تونس أزمة سياسية حادة نتيجة تصاعد الخلافات داخل ائتلاف الحكم وبين الفرقاء السياسيين، انتهت بإجبار رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، على الاستقالة، الأسبوع الماضي.
وبانفراط التحالف الحكومي، ارتفعت وتيرة الخلافات بين الكتل والأحزاب البرلمانية وسط جو مشحون رافق مشاورات اختيار رئيس الحكومة الجديد تحت قبة البرلمان؛ بسبب تواصل اعتصام كتلة "الدستوري الحر" وتعطيلها نشاطات المجلس، منذ أسبوعين، والجدل القائم حول سحب الثقة من رئيس البرلمان، راشد الغنوشي.
وعللت رئاسة البرلمان التونسي، في بيان لها، اليوم السبت، غياب احتفالية هذا العام بإجراءات وقائية بسبب فيروس كورونا، وذلك بعد استشارة الجهات الصحية، مكتفية بموكب بروتوكولي محدود.
وأكد البيان أن تونس "تمرّ اليوم بلحظة دقيقة مثقلة بالعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وبأزمة سياسية نتيجة استقالة الحكومة تتطلب من الجميع أعلى درجات اليقظة وتغليب المصالح الوطنية العليا والتزام القانون والدستور".
وحذّر من "خطورة محاولات تعطيل السير العادي لعمل مجلس نواب الشعب، باعتباره مركزاً لسيادة الشعب ورمزاً لثورته وفضاءً لإدارة التنوع والتعدّد، داعياً إلى "التصدي لخطاب الكراهية وتقسيم التونسيين".
في مقابل ذلك، استغرب رئيس الحكومة الأسبق والنائب الأول لرئيس "حركة النهضة" علي العريض، إلغاء احتفالية عيد الجمهورية، رغم الإعداد لهذه التظاهرة من قبل مكتب البرلمان، منذ أسابيع، بالاشتراك والتعاون مع ممثلين عن رئاسة الجمهورية.
وقال العريض على صفحته الرسمية في "فيسبوك": "يبدو مع الأسف أن رئاسة الجمهورية قد أعلمت رئاسة المجلس قبل أيام باعتذار رئيس الجمهورية عن الحضور ، ولا أعرف الأسباب".
ولفت إلى أنه "هذا هو العيد الوطني الوحيد الذي يتحول فيه رئيس الجمهورية إلى مقر مجلس نواب الشعب، وفي كل أعيادنا الوطنية تظهر مؤسسات الدولة ورجالها ونساؤها مجتمعين ومتحدين ومتجاوزين لأي اختلافات قد تكون بينهم في السياسات".
ودعا العريض "رئاسة الجمهورية إلى توضيح الأمر للرأي العام حتى لا يتجه التأويل إلى اعتبار ذلك موقفاً من المجلس، وخلطاً بين ضرورة احترام الأعراف في الاحتفال بأعيادنا الوطنية وبين المواقف الخاصة من أشخاص أو مؤسسات".
وفي السياق، استنكر المكتب التنفيذي لـ"حركة النهضة"، في بلاغ رسمي، "دعوات إقصاء الحركة من المشهد السياسي والحكومي خدمة للأجندات الأجنبيّة المشبوهة"، معبراً عن ثقة الحركة بحسن اختيار رئيس الجمهورية قيس سعيد للشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة المقبلة.
ودعت "حركة النهضة" كل "مكونات الساحة السياسية إلى التهدئة والحوار والتزام نهج التوافق ودعم مقومات الوحدة الوطنية وعوامل الاستقرار، وتجنب التحريض ونزوعات الإقصاء".
وأدانت "مواصلة التوظيف الإعلامي والاستثمار في الأزمات السياسيّة لقضية الزعيمين اليساريين، بلعيد والبراهمي، والتحدث نيابة عن الهيئات القضائية المعنيّة وإطلاق الاتهامات جزافاً، بما يعمّق الإساءة إلى المرفق القضائي ومؤسسات الدولة عموماً".
من جهته، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أن لا أحد فوق القانون بشأن ملف الاغتيالات، مشدداً على أنّ الدولة ستوفر كل إمكاناتها لكشف حقيقة اغتيال المعارضين السياسيين، محمد البراهمي وشكري بلعيد، اللذين اغتيلا في عام 2013.
ويتزامن عيد الجمهورية مع موعد إعلان الرئيس التونسي اسم رئيس الحكومة الجديد، من بين قائمة ترشيحات الكتل والأحزاب البرلمانية، غير أنّ تقارير إعلامية تناقلت احتمالات ترشيحه الوزير السابق محمد صالح بن عيسى من خارج دائرة الترشيحات، ومديرة الديوان الرئاسي، نادية عكاشة.
وكان الغنوشي قد استبعد ترشيح سعيد لبن عيسى، قائلاً: "طُرح اسم هذا المرشح خلال جلسات الحوار الوطني سنة 2014، ولم يحظ بالقبول"، حسب تعبيره.
واعتبر المحلل محمد الغواري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الفترة تعرف مشاحنات وخلافات بسبب ولادة منظومة حكم جديدة من رحم منظومة غير متجانسة"، مشيراً إلى أنّ "الديناميكية من الطبيعي أن تسبق مرحلة الاستقرار".
وأوضح الغواري أنّ "تصاعد منسوب الصراعات متوقع منذ نتائج الانتخابات التي لم تفرز أغلبية واضحة للحكم، بما يفسر تدافع الأحزاب والكتل للفوز بمساحة أكبر في الحكومة الجديدة".
الغواري: تصاعد منسوب الصراعات متوقع منذ نتائج الانتخابات التي لم تفرز أغلبية واضحة للحكم
ولفت إلى أنّ "الأمر الخطير هو عدم جلوس الأحزاب والمنظمات للحوار والنقاش والتقارب، وهو أمر لا يستقيم في الممارسة السياسية"، مذكّراً بأنّ تونس طالما تجاوزت أزماتها بالحوار.
ورأى الغواري أنّ "غياب عقل سياسي مدبر أثر في المسارات السياسية، كما أن الغنوشي يعيش غربة سياسية وصعوبات حقيقية لغياب شخصية في مكانته الاعتبارية يبرم معها الاتفاقات ويحوك معها التفاهمات على غرار شريكه الراحل السبسي، ليجد نفسه منفرداً أمام لعبة سياسية محكومة بالارتجال والمفاجآت في غياب لاعبين من الحجم الثقيل".