تونس تقر قانون الحكم المحلي: خطوة لتكريس التجربة الديمقراطية

28 ابريل 2018
أقر القانون بأغلبية كبيرة داخل البرلمان (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
خطت تونس خطوة مهمة في مسار تكريس التجربة الديمقراطية، فقبيل أيام قليلة من الانتخابات البلدية المقررة في 6 مايو/أيار المقبل، صادق البرلمان التونسي مساء الخميس، وبعد ماراتون من الجلسات العامة ومن جلسات النقاشات الطويلة، على مشروع القانون الأساسي الخاص بـ"مجلة الجماعات المحلية" (قانون تنظيم البلديات) وذلك بموافقة 147 نائباً وتحفّظ 10 نواب آخرين. ووسط أجواء احتفالية، ردد أعضاء المجلس النشيد الوطني احتفاء بالمصادقة على دستور الحكم المحلي. وبهذا يكون البرلمان قد أنجز قانوناً بالغ الأهمية من النواحي السياسية والمجتمعية والاقتصادية، إذ يمثّل القانون تطبيقاً للباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة المحلية، كما يُعتبر ثورة على السلطة المركزية التونسية وإعلاناً لنهاية عقود من الدولة المركزية التي أسس نظامها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.

واعتبر رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، أن المصادقة على "مجلة الجماعات المحلية" بأغلبية كبيرة تعكس إجماع غالبية الكتل والبرلمانيين على هذا القانون الذي يمثّل روح الحكم المحلي، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذه اللحظات الفارقة في تاريخ تونس الثورة وفي مسار الانتقال الديمقراطي والتجربة النموذجية التونسية، أعادت التونسيين إلى أجواء الاحتفاء بالمصادقة على دستور الجمهورية الثانية عام 2014.

وبعد أكثر من 9 أشهر من المداولات داخل اللجان وفي الجلسات العامة، نجح البرلمان بالمصادقة على كل بنود "مجلة الجماعات المحلية"، التي تمثّل بحسب خبراء في القانون الإداري والقانون العام نقلة قانونية وتشريعية ستقلب المشهد السياسي في البلاد، بتحويل الحكم إلى المحليات والبلديات المنتخبة بشكل ديمقراطي، بعد تخلّي الدولة عن جانب من صلاحياتها ونفوذها المالي والإداري. وبذلك يكون البرلمان قد أوفى بالتزامه السياسي والأدبي تجاه التونسيين على الرغم من التأخير النسبي والأزمات والصعوبات، عبر إتمام المصادقة على هذا القانون الذي يشمل 392 بنداً ستنظّم مستقبلاً قواعد الحكم المحلي والديمقراطية التشاركية، وذلك قبل إجراء الانتخابات البلدية.

وقال رئيس البرلمان إثر المصادقة على القانون "تمكّن المجلس في وقت قياسي من صناعة الحدث وذلك بالمصادقة على هذا المشروع الذي سيمكّننا من المضي لمواصلة النهج الإصلاحي العميق على كل المستويات لإرساء أركان الجمهورية الثانية على مبادئ قانونية ثابتة، في إطار أحكام الدستور"، معرباً عن اعتزاز البرلمان "بهذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق لصالح تونس عبر المصادقة على هذا القانون قبل تاريخ الانتخابات البلديّة، مما مكّننا من الوفاء بما تعهّدنا به لدى الرأي العام".
واعتبر الناصر أن البرلمان نجح في تحدٍ كبير، "إذ تفصلنا أيام قليلة عن موعد انتخابي هام يحتاج إلى إطار قانوني صلب يتمثّل في هذه المجلة التي هي تفعيل للأحكام المضمّنة في الباب السابع من الدستور وتكريس المبادئ الدستورية المتعلقة بتنظيم السلطة المحلية وتحديد نظام ممتلكاتها ومرافقها وقواعد تسييرها وفق معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة". وأضاف أن "المجلة تحدد الصلاحيات الذاتية والمشتركة والمنقولة لمختلف أنواع الجماعات المحلية وفق معايير النجاعة ومبدأ التدبير الحر، على أن يتولّى القضاء المالي والإداري مهمة الرقابة اللاحقة لتعويض الرقابة المسبقة التي كانت تمارسها سلطة الإشراف".


من جهته، قال وزير الشؤون المحلية والبيئة، رياض المؤخر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن قانون "مجلة الجماعات المحلية" هو ثمرة جهود لأشهر من العمل والجهد المشترك بين جهة المبادرة وهي الوزارة، والخبراء والمجتمع المدني والبرلمان. ولفت إلى أن "مجلة الجماعات المحلية" ترتكز على "مقاربة ثورية جاء بها دستور ثورة الحرية والكرامة، تتمثل في معادلة تكريس مبدأ التدبير الحر للسلطة المحلية المنتخبة مع ضمان وحدة الدولة وتماسكها". وأكد الوزير أن "هذا القانون يحمل في طياته مشروعاً إصلاحياً مجتمعياً وسياسياً جذرياً يستهدف السلطتين المحلية والجهوية، عبر تجسيد قواعد الديمقراطية المحلية وفق تدرج قانوني ومنهجي يراعي الديمقراطية الفتية التي تعيشها تونس وفرادة التجربة الحديثة التي تمثّل فاصلة مهمة في الانتقال السياسي الديمقراطي".

وأشار المؤخر إلى أنه تم تطبيق أحكام الفصل السابع من الدستور الخاص بالسلطة المحلية بتكريس قواعد الحكم اللامركزي وقواعد التصرف والتدبير المحلي الحر عبر الاستئناس بمختلف القوانين المقارنة، والتجارب اللامركزية المختلفة برؤية تونسية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلاد، من دون الوقوع في فخ إسقاط قوانين لا تتماشى مع الواقع التونسي المعيش. وأضاف الوزير أن اللامركزية ليست هدفاً في حد ذاتها وإنما هي طريقة ووسيلة لتطوير الخدمات للمواطن وحتى تكون قاطرة للتنمية في المناطق ولإشراك المواطن والمجتمع المدني في تقرير مصيره وتسيير حاضره والتخطيط لمستقبله. وأكد أن الضوابط التي تم إقرارها في "مجلة الجماعات المحلية"، تحقق بلا شك وحدة الدولة وتماسكها ولا تترك أي مجال للمساس بوحدة الدولة وتقريرها للسياسة الخارجية والنظام العام.

ويتضمّن قانون "مجلة الجماعات المحلية" الذي سيلغي قانون 1975 الذي ينظّم عمل البلديات في تونس، بنوداً تعطي صلاحيات جديدة للمجالس البلدية المنتخبة على المستوى المالي والإداري والتنظيمي وفق رؤية تشاركية تؤسس للامركزية القرار وللحكم المحلي. وفرض القانون الجديد تفرّغ رؤساء المجالس المحلية ويمنع ازدواجية المهن، كما أفضى لصلاحيات أوسع لهذه المجالس في التخطيط والتنفيذ والتسيير، وحررها على مستوى المناقصات والتلزيمات بهدف دفع التنمية وذلك في إطار رقابة القضاء وعبر حوكمة الموارد وترشيد الإمكانيات. كما حدد القانون سبل متابعة ومحاسبة ومراقبة المجالس المحلية ورؤسائها.

وتعليقاً على إقرار القانون، قال رئيس كتلة حركة "النهضة"، نور الدين البحيري، إن "حلماً آخر من أحلام التونسيين يتحقق بالمصادقة على قانون الحكم المحلي والتوصل إلى توافقات تنهي هذا القانون قبل موعد الانتخابات البلدية التي كانت موضع شك". وأضاف في مداخلته إثر المصادقة على القانون: "في النهضة كنا على يقين بأن هذه المعركة معركتنا، لأنها معركة التونسيين من أجل تطبيق أحكام الدستور وإقرار الحكم المحلي ومن أجل اللامركزية ومن أجل تنمية وضع المناطق الداخلية، كنا على يقين أنه ستكون هناك انتخابات بلدية ومجلة حكم محلي قبل الانتخابات وأوفينا بوعدنا".

من جهته، قال نائب رئيس كتلة حزب "نداء تونس" النائب محمد سعيدان، إن قانون الجماعات المحلية سيفتح آفاقاً أرحب في التصرف أمام الجماعات المحلية المنتخبة، كما يسمح بدفع التنمية المحلية في المناطق، ويحرر الاستثمار والاقتصاد المحلي من قيود البيروقراطية والسلطة المركزية.
أما نائب رئيس كتلة "الولاء للوطن" نور الدين عاشور، فلفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه بعد مصادقة البرلمان على "مجلة الجماعات المحلية" يجب على الوزارة إنهاء صياغة قرابة 40 نصاً تطبيقياً في أقرب الآجال، حتى تدخل هذه المجلة حيز النفاذ فور نشرها بالجريدة الرسمية الحكومية.