تونس تراجع شروط توفير السيارات "الشعبية"

19 يناير 2017
متوسطو الدخل هم المستفيدون (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن حجج وكلاء بيع السيارات كافية بالنسبة للحكومة لوقف برنامج التوريد السنوي للمركبات ذات القدرات المتواضعة التي تُوجه أساسا لذوي الدخل المتوسط. فبالرغم من مطالب غرفة موردي السيارات لوزارة التجارة منذ الصيف الماضي بضرورة وقف هذا البرنامج، أكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أنه لا نية للحكومة للاستغناء عن توريد هذا الصنف من السيارات التي تراوح أسعارها بين 18 و22 ألف دينار (بين 7.8 و9.5 آلاف دولار).
ومنذ عام 1994، تخص الحكومة متوسطي الدخل ببرنامج يعتمد على توريد نحو 8 آلاف سيارة سنوياً لا تتجاوز قوة محركها 1200 سي سي، من وكلاء مختلفين، لتمكين هذه الفئات من شراء سيارات بأسعار مناسبة. وتفرض الحكومة على هذه السيارات تعرفة جمركية منخفضة وتحدد هامش ربح للتجار لا يتجاوز 500 دينار في المركبة الواحدة بأي حال.
غير أن هذا البرنامج تعطل منذ نحو ستة أعوام، بعد أن أبدى الوكلاء عزوفا عن توريد هذا الصنف من السيارات، بسبب محدودية هامش الربح الذي لا يتجاوز 500 دينار (217 دولارا) في السيارة.
ويستبعد وكلاء السيارات في تونس الاشتراك مجدداً في برنامج حكومي لتوريد المركبات الشعبية الموجهة لمحدودي الدخل، معتبرين أن البرنامج الذي مضى عليه نحو 22 عاماً لم يعد يتماشى مع التغييرات الاقتصادية، لا سيما ما يتعلق بالشروط اللازم توفرها في المستفيدين من المشترين، فضلا عن تراجع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة في البلاد.
ويشير المستشار بوزارة التجارة، الأسعد العبيدي، إلى أن وزارة الصناعة والتجارة اتخذت قرار مواصلة توريد ما يعرف بتونس بـ"السيارات الشعبية"، إيمانا منها بأهمية هذا البرنامج في توفير فرص لأصحاب الدخل المتوسط في الحصول على سيارات في ظل ارتفاع متزايد لأسعار السيارات بمختلف أصنافها من شهر إلى آخر، نتيجة تراجع أسعار الصرف.
وقال العبيدي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن جانبا من مبررات الموردين كان مقنعا بالنسبة للوزارة التي ستعمل على تنقيح القانون المنظم لشروط الحصول على السيارات وجعله أكثر مواكبة للتطورات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، لافتا إلى أن الدولة مطالبة بالحفاظ على جانب من مهامها في حماية حق الطبقات الوسطى في اقتناء السيارات والمساكن.
ويتعيّن وفق قانون يعود إلى سنة 1994 ألا يتعدّى الدخل السنوي للمواطن الذي يريد التمتع بامتيازات برنامج السيارات الشعبية 5 آلاف دينار، مقابل أسعار سيارات تراوح بين 18 و22 ألف دينار، وهو معدّل سنوي يصفه موردو السيارات بالضعيف ولا يوفر لصاحبه إمكانية التمتع بسيارة وفق الأسعار المعمول بها حاليا.
ووفق المسؤول بوزارة الصناعة والتجارة، ستتولى الحكومة في غضون الأشهر القادمة تنقيح القانون ورفع شرط الدخل السنوي من 5 إلى 8 آلاف دينار، مشيرا إلى أن كل التعديلات الجديدة ستتم بالاتفاق مع المهنيين لضمان نجاح ظروف تسويق هذا الصنف من السيارات، لا سيما أن أكثر من 85% من المطالب التي وردت إلى الوزارة السنة الماضية تم رفضها لعدم توفر شروط التمويل اللازمة، ما جعل موردي السيارات يواجهون صعوبة كبيرة في تسويق الكميات الموردة إليهم.

وتشهد القدرة الشرائية لعموم التونسيين تراجعاً كبيراً قدّره خبراء الاقتصاد والمنظمات النقابية بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الأخيرة، ما أفضى إلى تدحرج مَن تراوح مرتباتهم بين 700 و900 دينار شهرياً إلى شريحة الفقراء.
كما تعيش السوق المحلية على وقع ارتفاع غير مسبوق في أسعار السيارات، في ظل تدهور قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
ولسنوات طويلة، مثّل برنامج السيارات الشعبية ملاذاً لآلاف التونسيين، غير أن ارتفاع الأسعار دفع شرائح واسعة من أصحاب الدخول المتوسطة إلى شراء العربات المستعملة، معولين على مدخراتهم العائلية.
ويتوقع الوسيط في بيع السيارات، أنور الجندوبي، أن يواجه برنامج توريد سيارات متوسطي الدخل من صنف 4 خيول المصير نفسه الذي واجهه برنامج التوريد السنة الماضية، مؤكدا أن سوق السيارات الجديدة يتأثر بقانون العرض والطلب في السيارات المستعملة.
وقال الجندوبي لـ"العربي الجديد"، إن إحجام التونسيين عن شراء السيارات ذات الأربعة خيول الموجهة لمتوسطي الدخل، مردّه المخاوف من رداءة نوعية هذه السيارات، ما يدفع العديد ممن تنقصهم الإمكانيات لشراء سيارات ذات نوعية جيدة إلى البحث عن مبتغاهم في سوق السيارات القديمة.
وسمحت وزارة التجارة العام الماضي لنحو 11 وكيلاً بالمساهمة في واردات السيارات الشعبية، غير أن شروط البيع ومحدودية هامش الربح دفعت 3 وكلاء للانسحاب من السباق ليكتفي 8 وكلاء فقط بتنفيذ البرنامج.
ولمّح الناطق الرسمي باسم الغرفة الوطنية لوكلاء بيع السيارات مهدي محجوب، في وقت سابق، لوكالة الأنباء الرسمية (وات)، أن برنامج توريد السيارات الشعبية لم يعرف النجاح المنتظر منه.
وأضاف أن عدم نجاح التجربة يعود إلى جملة من الأسباب، من بينها أن الشريحة المعنية باقتناء السيارات الشعبية والتي يجب أن يكون لها دخل أقل من 5 آلاف دينار سنويا، لم تعد قادرة على شراء هذا الصنف من السيارات.
المساهمون