وعلى الرغم من أن هذا التخفيض جزئي، إلا أنه يبدو رمزياً، باعتبار حب التونسيين للقهوة، وتعلقهم بالمقاهي التي يقضون فيها أوقاتاً طويلة، خصوصاً بالنسبة للشباب العاطل.
غير أن الأهم في بداية العام الجديد تمثل في سعي الحكومة التونسية الى طرح مشروع قانون جديد حول استهلاك المخدرات، جاء استجابة لجدل طويل، منذ أعوام، حول الشباب الذي يملأ السجون بسبب استهلاكه بالخصوص مادة "الزطلة"، أو الحشيش.
اقرأ أيضاً: تونس: ليلة رأس سنة هادئة وتفاؤل "سياسي"
واجتمع مجلس الوزراء، نهاية العام الماضي، ليصادق على مشروع قانون جديد مخفف سيعرض على مجلس نواب الشعب قريباً.
و اعتبرت وزارة العدل في بيانها، أن مشروع القانون المتعلق بالمخدرات، والمنقح للقانون عدد 52 المتعلق باستهلاك المخدرات، يعتبر خطوة تشريعية هامة تنتظرها شريحة هامة من الشباب التونسي ممن زلت به القدم، ومن ورائهم عدد هام من عائلاتهم، الذين ظلوا ينتظرون استجابة الحكومة الحالية لتنقيح هذا القانون، أخذاً بعين الاعتبار ما يمكن أن ينجر عنه من ضياع الشباب جراء دخول السجن، ومرافقة المجرمين أثناء قضاء المدة السجنية، خصوصاً بالنسبة إلى المبتدئين، ولاسيما التلاميذ والطلبة منهم.
ويجدر التأكيد أن هذا التنقيح، يقوم أساساً على تغليب البعد الوقائي، والعلاجي بالنسبة إلى المبتدئين من المستهلكين، ومحاولة توفير كل التدابير الممكنة للإحاطة بهم نفسياً وطبياً، واجتماعياً للحيلولة دون مضيهم في الوقوع في الإدمان.
و تشير الأرقام، والمعطيات الإحصائية الحالية، إلى وجود ما لا يقل عن 1719 محكوماً عليه بالسجن لمدة عام من أجل جريمة الاستهلاك، موزعين إلى927 مبتدئاً و 792 عائداً.
كما تشير الأرقام المتعلقة بالمودعين عموماً من أجل جرائم المخدرات، إلى 7451 مودعاً منهم 3262 موقوفاً، و4189 محكوماً.
ومن بين الموقوفين 2230 مبتدئاً و1032 عائداً، أما المحكومون فمنهم 1951 مبتدئاً و2238 عائداً.
و يظهر توزيع مساجين المخدرات حسب السن، الى أن هناك خمسة مودعين دون سن 18 عاماً، و 291 بين 18 و 20 عاماً، و3672 سجيناً بين 20 و29 عاماً، و2470 سجيناً بين 30 و39 سنة وحوالي 1000 سجين أكثر من أربعين سنة.
اقرأ أيضاً: 2015 تونسياً: تثبيت "التعايش" يطوي صفحة المرحلة الانتقالية
و ينص القانون الجديد على مبدأ التدرج في العقوبة، انطلاقاً مما هو قائم في عديد الأنظمة المقارنة في مجال السياسات الجزائية، والتي تكرس الوقاية قبل الزجر، وتشجع على المبادرة التلقائية بطلب العلاج، والتداوي، وتحثّ على استبدال العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة تحقق الإصلاح، وإعادة الإدماج بالنسبة لمستهلكي المخدرات.
وبخصوص العقوبات، بالنسبة للمستهلكين فيدعو القانون الجديد الى "ألا يقع تتبع أو محاكمة من تورط لأول مرة في استهلاك مادة مخدرة في صورة موافقته على الخضوع للعلاج أو وضعه تحت المراقبة الطبية، ولكنه يعاقب في المقابل بخطية من ألف دينار إلى ألفي دينار كل من استهلك مادة مخدرة أو مسكها لغاية الاستهلاك الشخصي، ولم يوافق على الخضوع لنظام علاجي طبي، أو نفسي، أو اجتماعي، أو وضعه تحت المراقبة الطبية بمؤسسة صحية.
و حافظ مشروع القانون، على مبدأ تجريم استهلاك المخدرات إلا أنه أقر نظاماً جديداً يسمح باعتماد آلية العلاج سواء قبل اكتشاف الجريمة أو إثرها، فقبل اكتشاف الجريمة يمكن لكل شخص استهلك مادة مخدرة، أن يتقدم تلقائياً الى مؤسسة صحية عمومية، أو خاصة مرخص لها للعلاج دون أن يترتب عن ذلك تتبعات عدلية، ويمارس هذا الحق في عدد غير محدد من المرات.
وفي المقابل، قالت وزارة العدل إن مشروع القانون، يميز بشكل واضح بين المستهلك والمروّج، إذ على خلاف مبدأ التدرج، ومنح السلطة التقديرية للقاضي إزاء المستهلك، فإن المشرع حرص على تشديد العقوبة، والمحافظة على الطابع الزجري الرادع للجرائم المتصلة بالاتجار غير المشروع في المخدرات، التي غالباً ما تكتسي طابعاً منظماً، وعابراً للحدود الوطنية.
ويذكر أن المشروع أخذ بعين الاعتبار ارتباطها بجرائم تمويل الإرهاب، وغسل الأموال، والتي تشكّل خطراً على النظام العام الاجتماعي والاقتصادي، فأقر جملة من العقوبات المشددة.
و يبدو أن المشروع الجديد للحكومة، سيفتح جدلاً سياسياً، واجتماعياً كبيراً، مع مطلع العام الجديد، إذ تقدمت الجبهة الشعبية اليسارية، أيضاً، بمبادرة تشريعية تتعلق بسن قانون ينظم مكافحة التعامل غير المشروع بالمخدرات، والوقاية منها، والإحاطة بالمدمنين على استهلاكها، ويتكون مشروع القانون من 66 فصلاً، وهو مشروع مختلف عن المشروع الذي أعلنت الحكومة اعتزامها تقديمه للمجلس.