أحيا التونسيون اليوم الخميس الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة، وسط إجراءات أمنية مشددة وحضور أمني مكثف عند كل مداخل الشوارع الرئيسية للعاصمة.
وككل ذكرى، كان شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة (رمز الثورة) محور الاحتفال ومركزه، حيث تجمعت الأحزاب والمنظمات الأهلية، وأيضاً المحتجون من العاطلين عن العمل، ومن عائلات شهداء الثورة وجرحاها إلى جانب عائلات المفقودين بالخارج، بالإضافة إلى مختلف المواطنين الذين جابوا الشارع جيئة وذهاباً حاملين علم تونس.
وحملت الذكرى الخامسة للثورة روحاً احتفالية، ومظاهر احتجاجية، حملت في طياتها ألماً وحسرة، خاصة من قبل من فقدوا أبناءهم ومن بقوا عاطلين عن العمل، فاختار الحضور والمشاركون أن يحتفل كلّ حسب طريقته، حيث اختلفت الشعارات كما اختلفت التصريحات.
وكان اشارع الحبيب بورقيبة في هذه الذكرى عبارة عن فسيفساء، مزجت بين الغناء الثوري الذي أثثته فرق موسيقية مختلفة، ولكورال الأطفال، وبين المنابر الإعلامية التي أمنت نقلاً مباشراً لأجواء الشارع، وبين الخيام والفضاءات المخصصة التي انتصبت، لتبلغ رسالتها على طريقتها على غرار فضاء حركة "النهضة" وخيمة حزب "التيار الديمقراطي" وخيمة "اتحاد القوى الوطنية والتقدمية".
اقرأ أيضاً: 5 سنوات على ثورة الياسمين: وسائل التواصل متشائمة
في المقابل اختار أعضاء "الجبهة الشعبية" وحزب "المسار"، أن يجوبوا شارع الحبيب بورقيبة حاملين شعارات منددة بالالتفاف على مطالب الثورة.
ومن الشعارات التي رفعت "التشغيل استحقاق"، و"شغل حرية كرامة وطنية"، وصدحت الحناجر كذلك بـ"كفانا بطالة وفقر.. كفانا حقرة وقهر". ووجه من حج إلى "شارع الثورة"، رسالة إلى الحكومة التونسية، مفادها "واجب على الدولة حماية أي تونسي خارج أرض الوطن". وكان الأمنيون من قوات الأمن الداخلي أيضاً في الموعد، ورفعوا شعاراتهم، من بينها "وطني نحميه وحقي ما نسلمش فيه".
في السياق ذاته، اختلفت التعليقات والتصريحات حول الذكرى الخامسة للثورة بين السياسيين والنقابيين وبين العاطلين وممثلي المجتمع المدني، فتراوحت بين "مقدّر لما تحقق منذ اندلاعها، وبين متخوف من الانقلاب على أهدافها، ومندد بما لم يتحقق، خاصة في ما يتعلق بالتنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية".
اقرأ أيضاً: مدوّنو الثورة التونسيّة يعودون إلى نقطة الصفر: ملاحقات ومحاكمات
وقال عضو المكتب التنفيذي لحزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" سفيان بوخريص، لـ"العربي الجديد"، إن "التونسيين في حاجة إلى أن تُجدد ثقتهم في الأحزاب والسياسيين، بعد ما شهدوه وعاشوه من إحباط من جراء الانقلاب على أهم أهداف الثورة وهي التشغيل والتنمية".
من جهته، عبّر شقيق الشهيد شكري بلعيد عبد المجيد بلعيد لـ"العربي الجديد"، عن أسفه لما "آلت إليه الأوضاع من التفاف السياسيين على استحقاقات الثورة، ومن رفض لتحقيق مطالب الشباب الذين انتفضوا من أجل العدالة الاجتماعية والتشغيل والمساواة بين الجهات في التنمية".
في المقابل، قال القيادي في حركة "النهضة" عبد الحميد الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن الجزم بأنه لم يتحقق شيء بعد الثورة، بل حققنا انتقالاً ديمقراطياً سلساً حقنت فيه الدماء، وأصبحنا أول دولة في العالم العربي نجحت في الإبقاء على ثورتها ثورة سلمية، بالرغم من تشكيك العديد من الأطراف من الداخل والخارج في هذه الثورة، ولكن قلب الربيع العربي مازال ينبض".
اقرأ أيضاً: تونس بعد الثورة: الإرهاب يلغي الحرية
وأضاف القيادي في "النهضة"، أنه "صحيح مازالت أهداف أخرى لم تتحقق، مثل التنمية بالجهات والتشغيل، ولكن ذلك يتطلب تكاتف الجهود بين جميع الأطراف الفاعلة في المشهد التونسي، والعمل جنباً إلى جنب لتجاوز الانكماش الاقتصادي وتحقيق مطالب الشعب".
من جهته، اعتبر زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي لـ"العربي الجديد"، أنه "من المؤسف أننا لم نحقق ما قامت من أجله الثورة من المطالبة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الجهوية، ونحمل هنا المسؤولية لكل من نداء تونس وحركة النهضة، اللذين التفّا على استحقاقات الثورة بانصهارهما في ائتلاف حكومي مشبوه والانقلاب على إرادة الناخبين".
ذات التخوف عبر عنه الأمين العام "للاتحاد التونسي للشغل" حسين العباسي في خطاب ألقاه بساحة محمد علي الحامي بالعاصمة، بالمناسبة، حيث أكد أن "الاتحاد سيبقى وفياً لدم الشهداء ولمعركة الشعب الذي يريد الحق في الكرامة وفي العمل اللائق وفي المساواة وفي التنمية العادلة".
اقرأ أيضاً: نون نسوة الثورة: حكايات جنديات مجهولات
وأضاف العباسي، "أول الاستحقاقات التي يجب التذكير بها بهذه المناسبة، الحق في الشغل لجميع المعطلين، وبداية تمكين الطلبة من المناضلين النقابيين من هذا الحق، إلى جانب حق التنمية في إطار تصور جديد يقوم على مبدأ اللامركزية والحكم التشاركي".
ولم يُخف الأمين العام "للاتحاد التونسي للشغل"، تخوفه مما كشفته "التطورات الأخيرة التي طرأت على المشهد السياسي والاجتماعي، والانكماش الاقتصادي المشل لحركة النمو، والتي تؤكد أن الأمل في تحقيق استحقاقات الثورة مازال بعيداً، وأن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن".
أما في ما يهمّ المفقودين بالخارج، فقد أكدت عضوة جمعية المفقودين بالخارج مليكة الجعيدي لـ"العربي الجديد"، أن "العائلات ملّت من وعود المسؤولين والسياسيين الزائفة، ونطالبهم بالعمل على كشف وضعية أبنائهم بالخارج مهما كانت حقيقتها".
اقرأ أيضاً: أحداث 14 يناير التونسية: متى تظهر الحقيقة؟