تتطلع الحكومة التونسية إلى أن يكون عام 2017، عام الإقلاع الاقتصادي وتعزيز وتيرة النمو بفضل الاستثمار والإنتاج والتصدير وفرص العمل التي سيتم إيجادها للعاطلين، لكن خبراء يعتقدون أن أمام الحكومة أشواط أخرى لتنفيذ رؤيتها الاقتصادية.
وتلوح من موازنة العام المقبل 2017، التي صادق عليها البرلمان في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بوادر سنة جديدة صعبة تضاف إلى رصيد التونسيين بسبب تدابير التقشف الحكومية عبر تقليص مخصصات الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية والخدمية، على غرار الكهرباء والغاز والماء.
يذكر أن تونس نجحت الشهر الماضي في جمع أكثر من 15 مليار دولار على شكل منح وقروض واستثمارات وإعفاءات، خلال أعمال مؤتمر الاستثمار "تونس 2020"، بحضور ممثلين عن عشرات الدول المانحة، ومئات رجال الأعمال.
ووفق ما أعلن عنه وزير الاستثمار فاضل عبد الكافي، تتوزع الـ34 مليار دينار (15.4 مليار دولار) التي جنتها البلاد من المؤتمر، بين 6.8 مليارات دولار في شكل اتفاقيات تم التوقيع عليها خلال المؤتمر، و8.6 مليارات دولار في شكل تعهدات وقروض من مؤسسات تمويل بشروط ميسرة ونسب فائدة لا تتعدى 2%، مع إمهال الحكومة التونسية فترات سماح قبل الشروع في سداد هذه القروض، تراوح بين 5 و7 سنوات.
قلق متراجع
أدت الأوضاع في تونس إلى ضياع فرص استثمارية كبيرة، فقد اضطرّت استثمارات لمغادرة البلاد، وأخرى لم تغادر حيّزها النظري، وشركات علّقت أنشطتها.
هذه الثلاثية الحالكة فرضتها تداعيات الأوضاع في تونس، قبل أن تبدأ في التلاشي مع عودة الاستقرار تدريجياً إلى البلاد.
وتفاقمت مخاوف من المجازفة باستثمار غير مضمون، سواء كان أجنبياً أو محلّيا، بمرور الزمن حتى تحوّلت إلى ما يشبه "الفوبيا"، لتطيح بمشاريع بقيمة إجمالية متوقّعة في حدود الـ12.5 مليار دينار تونسي (5.40 مليارات دولار)، كانت ستوفّر 236 ألف فرصة عمل بين 2005 و2015، 5% منها مصنّفة على أنها هامّة، وفق بيانات رسمية.
وبحسب "وكالة النهوض بالصناعة والتجديد" التونسية، فإنّ 7548 من المشاريع الصناعية في تونس لم تفعل خلال الفترة الفاصلة بين 2005 و2015، أي بمعدّل عدم إنجاز سنوي يناهز الـ600 مشروع.
في العام 2011، بلغ معدل المشاريع غير المنجزة، نحو 900 مشروع، وهو معدل مرتفع، لكنه يبدو منطقيا بالنظر إلى الارتباك الحاصل على مستوى المؤشرات الكلية للبلاد، تزامنا مع اندلاع الثورة التونسية.
وقال رضا أشكندالي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية: "إن العديد من الأسباب دفعت نحو ظهور الفوبيا من الاستثمار في تونس".
ويضيف: "تقف مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وراء عزوف المستثمرين عن إخراج مشاريعهم للحياة أو الاستمرار في أنشطتهم داخل البلاد"، معتبراً أنّ المخاوف من الاستثمار لا تنحدر من العوامل الاقتصادية فحسب، وإنما ناجمة أيضا عن عدم وضوح الرؤية بسبب السياق الأمني والسياسي غير المستقرّ نسبيا، إضافة إلى عدم استقرار المشهد النقابي، ما يجعل المستثمرين في خوف مستمر من الاعتصامات والإضرابات وغيرها من المعارك المستمرة حتى اليوم بين أصحاب المؤسّسات والنقابات العمالية.
تشير تقارير إحصائية نشرتها "الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الخارجي" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أن مستوى تدفّق الاستثمارات الأجنبية في البلاد، سجل خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2016، تراجعا بنسبة 19.4% مقارنة بالفترة ذاتها من 2015.
وأظهر تقرير أنّ 73% من المشاريع غير المنجزة خلال الفترة بين مطلع 2015 وحتى يونيو/حزيران 2016، رأس مالها تونسي بنسبة 100%.
والأسبوع الماضي، خفضت وزيرة المالية التونسية لمياء الزريبي، من توقعات النمو الاقتصادي في البلاد للعام الجاري، من 2.5% إلى 1.5% مقابل نسبة نمو فعلي بلغت 0.8% العام الماضي.
إلى ذلك، أظهر تقرير الوكالة التونسية أن 4319 شركة مصنّعة (تشغل كل واحدة منها 10 موظفين على الأقل)، علّقت نشاطها في الفترة بين مطلع 2005 حتى يونيو/حزيران 2016؛ ما تسبب في خسارة نحو 250 ألف فرصة عمل.
وتشير هذه الأرقام إلى أنّ نحو 400 شركة أغلقت أبوابها في تونس سنويا خلال الفترة المذكورة، وأن البلاد تخسر 25 ألف فرصة عمل في السنة، وهذه المعدّلات شهدت ارتفاعا انطلاقا من 2011.
وأدى الخوف من الاستثمار إلى تراجع تأسيس الشركات الصناعية، من 470 شركة في الفترة 2005 - 2011 إلى 292 خلال الفترة الممتدة من 2012 - 2015، بانخفاض قدره 38%.
من جانبه، يقول سمير البشوال، مدير عام وكالة النهوض بالصناعة والتجديد في تونس، إن بلاده "بادرت بالقيام بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية، للحدّ من مخاوف المستثمرين".
ويوضح أن السلطات التونسية قامت بسنّ قوانين جديدة للاستثمار، وإعادة رسملة البنوك العمومية، واتخاذ جملة من الإجراءات والتسهيلات، بهدف تجاوز هذه الصعوبات الظرفية، برزت على أثرها جملة من المؤشرات الإيجابية التي ترجمت قدرة البلاد على تخطي هذه المرحلة.
وعن نتائج التدابير الحكومية في بلاده، يشير البشوال إلى أن "الاستثمارات المصرّح بها ارتفعت، في الأشهر الـ10 الأولى من 2016 بنسبة 30.7%، إلى 846.4 مليون دينار مقابل 696.0 مليونا في الفترة نفسها من عام 2015".
وبحسب البشوال، فإنّ غالبية هذه الاستثمارات تندرج ضمن مشاريع توسعة كبرى لمؤسّسات أجنبية، وهذه المشاريع تتميّز بنسبة إنجاز عالية تفوق الـ76%، "ما يعني أن تونس ما تزال تحظى بثقة المستثمرين الأجانب، وخصوصا المطّلعين منهم على حقيقة الوضع من حيث الاستقرار السياسي وتحسّن أداء المنظومة الأمنية".
(الأناضول، العربي الجديد)