تونس تترقب فتح الجزائر الحدود لإحياء التجارة والسياحة

16 اغسطس 2020
السياحة من القطاعات المتضررة من كورونا في تونس (فرانس برس)
+ الخط -

لا ينظر الكثير من التونسيين إلى الوضع الصحي في بلادهم باهتمام كبير، بقدر اهتمامهم بالوضع في الجزائر، التي ما تزال تغلق حدودها مع تونس، بسبب جائحة فيروس كورونا، ما يؤرق أغلب الفاعلين في قطاعات اقتصادية حيوية، لاسيما في السياحة والتجارة الحدودية.

ويأمل بلحسن العربي، وهو متعامل اقتصادي أنشأ شركة في قطاع الطاقات المتجددة بالجزائر في إطار استثمار مشترك، أن تفتح الحدود قريباً حتى يعود إلى عمله هناك، مؤكدا أنه غادر الجزائر منذ مارس/آذار الماضي ولم يتمكن من العودة، ما تسبب في تعطيل أعماله وخسائر لشركته.

يقول بلحسن لـ"العربي الجديد" إن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية بسبب استمرار غلق الحدود بين تونس والجزائر باهظة جداً، مؤكدا أن متعاملين اقتصاديين يعملون في السوق الجزائرية وجدوا أنفسهم في وضع العاطلين عن العمل.

والجزائر متنفس اقتصادي مهم لتونس في جانبيه الرسمي وغير الرسمي، فبالإضافة إلى المبادلات التجارية المنظمة يشتغل آلاف التونسيين الذين يجلبون السلع من الجزائر عبر مسالك التجارة الموازية. كما يعبر الآلاف يومياً البوابات الحدودية على الشريط الغربي للبلاد، من أجل جلب السلع في إطار التجارة البينية.

ويتم تسيير العمليات التجارية البرية عبر ستة منافذ حدودية من بينها 4 منافذ مخصصة لعبور الأشخاص والسلع، وهي ببوش وساقية سيدي يوسف وقلعة سنان وحزوة.

يقول الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية، العميد هيثم زناد لـ"العربي الجديد"، إن الحركة في المعابر الحدودية مع الجزائر ضعيفة وتقتصر على رحلات الإجلاء للعالقين وبعض المواد الأساسية، دون الكشف عن أي أرقام بشأن العربات التي عبرت منذ غلق الحدود بين البلدين.

وتقع المعابر على الشريط الغربي التونسي، وهي الولايات التونسية الأقل تنمية، ما يجعل من التجارة مصدر رزق لآلاف العائلات التي تكسب رزقها من السلع التي تتدفق من الجزائر عبر المعابر الحدودية أو عبر المسالك الجبلية.

ويؤكد "منير م" الذي يشتغل في التجارة الموازية أن اهتمامه موجه للوضع الصحي في الجزائر أكثر من بلده، معتبرا أن إعادة فتح الحدود تعني إعادة تشغيل رئة اقتصادية معطلة منذ ما يزيد عن الأشهر الأربعة.

ويقول منير لـ"العربي الجديد" إن غلق الحدود تسبب في نقص كبير في مواد أساسية للسوق التونسية كانت تأتي عن طريق تجارة الحدود، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها؛ "محظوظ هو من يتمكن الآن من الحصول على كميات من السجائر أو الإطارات المطاطية التي يقع تمريرها عبر المسالك الجبلية".

غير أنه يؤكد أن المسالك الجبلية أيضا باتت مصدر خطر بعد تكثيف المراقبة الأمنية حولها، وارتفاع خطر العدوى بعد تفشي كورونا في صفوف ممرري السلع وأغلبهم من الأفارقة جنوب غرب الصحراء.

ويبلغ حجم المبادلات التجارية الجزائرية التونسية 1.7 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية لتونس أغلبها من المحروقات ومشتقاتها و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر عبارة عن تجهيزات الكهرباء ومواد ميكانيكية وفقاً لأرقام كشفت عنها السفارة التونسية بالجزائر لوسائل إعلامية أخيرا.

وتسعى تونس والجزائر لتفعيل الاتفاق التجاري التفضيلي الموقع بين الطرفين عام 2008، والذي دخل حيز التطبيق في 2014 من خلال توسيع الاستثمارات بين الطرفين، حيث يبلغ عدد المتعاملين الاقتصاديين في الجزائر حاليا حوالي 600 شركة أغلبها شركات صغيرة ومتوسطة، في حين تنشط في السوق التونسية 60 شركة جزائرية معظمها تشتغل في قطاع النسيج والجلود.

وتمثل الجزائر المزوّد الأول لتونس بالغاز الطبيعي، كما تشتري تونس الكهرباء من الجزائر لمواجهة الطلب الداخلي، حيث تعودت على الاستعانة بالطاقة من جارتها الغربية منذ أكثر من 50 عاماً.

ودفع قطاع السياحة أيضا فاتورة باهظة بسبب تواصل غلق الحدود، حيث كان أصحاب الفنادق يعولون على السوق الجزائرية التي سبق أن أنقذت تونس في السنوات العجاف التي مرت على السياحة جراء العمليات الإرهابية عام 2015.

وتحتل الجزائر المرتبة الأولى في عدد السياح المغاربيين الذين يتوافدون على تونس. وتقدر السلطات الجزائرية عدد السياح التونسيين الذين يعبرون إلى الجزائر للسياحة، وغالباً للتبضع بمليون ونصف المليون تونسي، فيما يعبر في المقابل أكثر من مليوني سائح جزائري للسياحة، وبدرجة أقل للعلاج في المصحات التونسية الخاصة. وعام 2019، زار تونس 2.9 مليون سائح جزائري من جملة 9 ملايين سائح زاروا البلد من مختلف دول العالم.

وفتحت تونس منذ 27 يونيو/حزيران الماضي الحدود، وأعادت تنشيط الملاحة الجوية، غير أن السلطات الجزائرية لا تزال تغلق حدودها، ما يمنع تدفق السياح الجزائريين.

ويؤكد ظافر لطيف، كاتب عام (أمين عام) جامعة وكالات الأسفار في تونس، أن تونس عوّلت على السوق الجزائرية من أجل إنعاش ما تبقى من الموسم السياحي في إطار ضمانات صحية لحماية البلدين، غير أن تواصل غلق الحدود أفشل هذه المساعي ما زاد في تعقيد الوضع وتعميق أزمة السياحة التونسية.

والجزائر سوق سياحية مهمة بحسب لطيف الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنها تستأثر بنحو ربع العدد الإجمالي للسياح الذين يتوافدون على تونس. وهبطت عائدات البلاد من السياحة إلى 1.16 مليار دينار (424 مليون دولار) في يوليو/ تموز الماضي، من 2.79 مليار دينار قبل سنة.

وسجل اقتصاد تونس انكماشاً بـ1.7% في الربع الأول من العام الحالي، فيما بلغ معدل البطالة 15.1%. ووفقاً لبيانات حكومية، كلّفت الجائحة الحكومة التونسية خسائر بقيمة 5 مليارات دينار (1.83 مليار دولار)، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.

وعانت أغلب القطاعات الاقتصادية تعطلاً، وتوقفت مراكز الإنتاج في الأشهر الثلاثة الماضية بسبب الجائحة، وكذلك بسبب احتجاجات في مناطق عدة من البلاد، خصوصا في مناطق إنتاج النفط والفوسفات.

أعلنت تونس منتصف يوليو/تموز الماضي، تفاصيل خطة إنقاذ اقتصادي تمتد لـ9 شهور، تتضمن الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومواجهة تبعات تفشي جائحة كورونا.

وتتضمن الخطة، المحافظة على نسيج المؤسسات الاقتصادية، من خلال توفير السيولة لها بضمان الدولة، بقيمة 1.5 مليار دينار (526 مليون دولار)، وتوفير 100 مليون دينار، في إطار مواصلة اعتماد آلية البطالة الفنية، عبر دفعات مالية للمتعطلين عن العمل بسبب الجائحة.

المساهمون