بدأت هيئة "الحقيقة والكرامة" التونسيّة، المكلفة النظر في ملفات العدالة الانتقالية، عملها رسمياً الإثنين، بعد افتتاح المؤتمر الدولي لانطلاقها برعاية مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ووزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
وعُقد المؤتمر بحضور الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة مهدي جمعة، ورئيس التأسيسي مصطفى بن جعفر، فضلاً عن العديد من الشخصيات الحقوقية التونسية والعالمية.
وقال المتحدث باسم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، إن الندوة يشارك في تنظيمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمركز الدولي للعدالة الانتقالية. وأوضح أن "مكتب المفوضية في تونس انخرط عن كثب في إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة التي تعد خطوة مرحباً بها على طريق التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، لإثبات الحقيقة وتوفير المساءلة والاعتراف والتعويضات للضحايا".
بدوره، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في رسالة إلى الندوة، أن "انطلاق أعمال الهيئة رسمياً اليوم هو مصدر إشعاع جديد لتونس".
من جهته، اعتبر المرزوقي أن "تحقيق العدالة الانتقالية ضرورة سياسية". وأضاف: "نحن لن نبني نظاماً ديموقراطياً سليماً ومستديماً، إن لم نقم بتشخيصٍ جدي لكل أخطاء الماضي وهي أخطاء أشخاص وقوانين ومؤسسات وهياكل وطرق عمل". وشدّد على أن "هذا التشخيص جزء كبير منه مسؤولية هيئة مستقلة، لا تخضع للضغط أو للابتزاز السياسي، يمكنها أن تضع الإصبع على كل الخطأ".
وأشار الرئيس التونسي إلى أن "ما ننتظره من العدالة الانتقالية بعد امتصاص الغضب المشروع للشعب، هو أن يكون للدولة بنك أخطاء، يعيننا على سنّ قوانين وبناء مؤسسات تمنع تكرار مثل هذه الأخطاء التي كلفتنا هذا الكم الهائل من الدماء والدموع على امتداد ربع قرن من حكم نظام الفساد والتزييف والقمع".
كذلك، دعا بن جعفر الهيئة إلى "التزام الحياد"، داعياً إلى "عدم التدخل فيها بأي شكل". وأضاف: "أنتم مستقلون، ولكن مسؤولون أمام الله والتاريخ، ويجب أن تكون هناك محاسبة ومساءلة، ثم مصالحة، لأنه لا يمكن بناء المستقبل إلا بإنصاف الذين ظُلموا". وقال إنه "سيُعهد للهيئة كشفُ الحقيقة منذ الاستقلال، ورصد الانتهاكات وتوثيقها وتحديد مسؤوليات أجهزة الدولة".
وكانت هيئة "الحقيقة والكرامة" قد أدّت الأسبوع الماضي اليمين أمام المرزوقي. وستشرع الهيئة فور تفعيل الجهاز التنفيذي والإدارة المركزية في قبول ملفات ضحايا التعذيب والاستبداد.
وسيشهد يوم 17 يونيو/حزيران الجاري، أول اجتماع للهيئة، بهدف توزيع المسؤوليات واختيار رئيس ونائبَي رئيس، ليتم بعد ذلك وخلال 6 أشهر انطلاق الجهاز التنفيذي للهيئة من مكاتب في المدن التونسية، فضلاً عن لجان فنية وإدارة مركزية.
وفي السياق، اعتبر وزير العدل، حافظ بن صالح، أن مدة ستة أشهر المحددة لهيئة الحقيقة والكرامة قبل مباشرة عملها فعلياً، سيمكنها من وضع نظامها الداخلي، داعياً أعضاءها إلى الانفتاح على الخبرات وشباب الثورة في رصد الانتهاكات.
تجدر الإشارة إلى أن الهيئة ستتولى رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مقترفيها، وتعويض الضحايا منذ استقلال البلاد خلال حقبتي حكم الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.