تونس: التحفظات تطاول النساء في حكومة الشاهد

26 اغسطس 2016
خيارات الشاهد حول الحقائب أثارت نقاشاً واسعاً(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
خصّ رئيس الحكومة التونسية المكلف، يوسف الشاهد، المرأة التونسية بثماني حقائب في التشكيلة الوزارية الجديدة، خمس منهن برتبة وزيرة وثلاث أخريات برتبة "كاتبة دولة" (نائب وزير). هذه التشكيلة النسائية رافقها جدل واسع من قبل الشارع التونسي ومن متتبعي الشأن العام، وأيضاً من مختلف وسائل الإعلام التونسية. والسؤال الذي فرض نفسه تمثل في معرفة من هنّ نساء حكومة الشاهد، وما هي انتماءاتهن السياسية، وهل تستجيب مؤهلاتهن لتحديات المرحلة؟

وكان الشاهد قد أعلن في 20 أغسطس/آب الماضي، أنه أوفى بتعهداته في ما يخصّ تمثيل المرأة والشباب. غير أنّ خياراته أثارت نقاشاً واسعاً، لا سيما أنّ أغلب الوزيرات وكاتبات الدولة هنّ من الأسماء غير المتداولة على الساحة السياسية والوطنية. فقد تضمنت التركيبة الجديدة أسماءً نسائية أثارت الكثير من الجدل والنقاش، وفي مقدمتهن ماجدولين الشارني، التي تم تعيينها كوزيرة للشباب والرياضة، بعدما عملت في حكومة الحبيب الصيد ككاتبة دولة مكلفة بملف الشهداء وجرحى الثورة التونسية.

ووفقاً للعديد من التعليقات والقراءات للمشهد السياسي، فإنّ السيرة الذاتية للشارني لم تتضمن ما يدعو لتعيينها في منصب وزاري وقبل ذلك ككاتبة دولة، إذ لم تكن سوى عضو بجمعية صيانة المدينة في محافظة الكاف ورئيسة غرفة نساء الأعمال التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة بالجهة نفسها. واعتبر البعض أن تعيينها في هذا المنصب لا يمكن إدراجه إلا بخانة "الترضيات الحزبية" وتسوية لملف أخيها سقراط الشارني وتلبية لوعود قدمها الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في حملته الانتخابية.
وسقراط الشاراني هو ملازم في الأمن التونسي تم اغتياله مع عدد من الأمنيين في تبادل للنار مع مجموعة مسلحة في مدينة سيدي علي بن عون، في الوسط التونسي، في أكتوبر/تشرين الأول 2013 أعقبته اتهامات سياسية من عائلته، وخصوصاً والده.

والتقى وفد من الرياضيين، يوم الاثنين الماضي، بزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، في جولة ستشمل عددا من الأحزاب، من أجل المطالبة بتغيير هذه الوزيرة. ووفقاً للحاضرين، فإن الغنوشي قال إن اقتراح الشارني نابع من حزب نداء تونس.

في السياق نفسه، تمت إعادة تعيين القيادية في نداء تونس، سلمى اللومي، على رأس وزارة السياحة. وهي سيدة أعمال معروفة في تونس. وكانت ترغب في تولي وزارة المالية أو التنمية والاستثمار قبل هيكلة الحكومة الجديدة، بسبب نجاح شركات عائلتها في الاستثمار الخارجي، وبفضل دعم منظمة رجال الأعمال لها. لكن الشاهد آثر إبقاءها في السياحة، بعد تردد أخبار عن رفضها لمنصب مستشارة لدى السبسي.


أما القيادية في حزب آفاق تونس، سميرة مرعي فريعة، التي كانت وزيرة للمرأة والأسرة والطفولة في حكومة الصيد، فتم اقتراحها ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة على رأس وزارة الصحة خلفاً للقيادي بنداء تونس سعيد العايدي. وعلى الرغم من دراستها في كلية الطب بتونس، إلا أنها مارست العمل السياسي وكانت عضوة في المجلس الوطني التأسيسي السابق، وعضوة في المكتب السياسي لحزب آفاق تونس. وهي ناشطة في عديد من الجمعيات العلمية المختلفة، مثل الجمعية التونسية للأمراض الصدرية وجمعية التنفس الأوروبية والجمعية الأميركية لأمراض الصدر والجمعية الفرنسية للجهاز التنفسي.

وتضم التشكيلة الحكومية المقترحة أسماءً نسائية جديدة. فتم اختيار هالة شيخ روحو كوزيرة للطاقة والمناجم والطاقات المتجددة. وتعدّ من الكفاءات الوطنية التي تقلدت مناصب عدة  في تونس وخارجها. وسبق لها أن انضمت إلى البنك الدولي بواشنطن. وعملت بعد ذلك في البنك الأفريقي للتنمية، كما ترأست الإدارة التنفيذية للصندوق "الأخضر" التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وتتضمن تشكيلة حكومة الشاهد لمياء الزريبي كوزيرة للمالية. وكانت تشغل منصب مديرة عامة ببنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ومستشارة لوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة الصيد الأولى.
كما أوكلت وزارة الأسرة وحقوق الطفولة إلى نزيهة العبيدي، التي درست اللغات "الحية" وحائزة على "ماجستير" في التعليم من جامعة السوربون في باريس. وهي من بين الشخصيات التي شاركت في وضع خطة المعهد الفرنسي للتعاون من 1995 إلى 1999، إلى جانب تبوّئها منصب مستشارة جهوية مكلفة بالتربية والثقافة والتكوين في وزارة التربية.

أما كاتبات الدولة، فهنّ كل من فاتن قلال وسيدة الونيسي. الأولى عُيّنت ككاتبة الدولة للشباب، وحاصلة على شهادة من جامعة قرطاج وجامعة "باريس - دوفين"، وعملت كمستشارة في عدد من المكاتب الدولية الموجودة في تونس. وفي عام 2015، التحقت بديوان وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي. أما الونيسي، النائبة عن حركة النهضة، فقد تم تعيينها ككاتبة الدولة للتكوين المهني.

اختيار الشاهد لهذه الشخصيات النسائية يثير انتقادات وتحفظات عدة، برزت خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مختلف وسائل الإعلام. ويتساءل كثر عن أحقيتهن في تبوّؤ هذه المناصب.

في هذا الصدد، أكدت مستشارة سابقة بوزارة التنمية والتعاون الدولي، الناشطة بالمجتمع المدني، رجاء الحلواني، لـ"العربي الجديد"، أنّ الوزيرة المقترحة لمياء الزيبي "تعدّ من أبرز الكفاءات التونسية ولها من الخبرة والتميّز في مجال السياسات المالية والتخطيط والاستشراف ما يؤهلها لهذا المنصب، وهي من ضمن الكفاءات الإدارية التي أعدت المخططات الاستراتيجية للتنمية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهي أيضاً من بين الكفاءات التي ساهمت في إعداد ميزانيات الدولة"، على حد وصفها.

أما بقية الأسماء المقترحة فلا تزال محلّ تساؤل وبحث في ما يتعلق بخبراتهن ومدى قدرتهن على تسيير شؤون الوزارات المكلفات بها إلى جانب عدة تساؤلات طُرحت عن انتماءاتهن السياسية. فإحداهن تُعد من القيادات السابقة في حزب التجمع الدستوري المنحل، وفق لما أكّده رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، القاضي أحمد الرحموني، في تدوينة له على صفحته على موقع "فيسبوك". وقال إنّ "وزيرة المرأة والأسرة والطفولة نزيهة العبيدي هي تجمعية حتى النخاع وهي إحدى العضوات النشطات باللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي".

في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي، مراد الحطاب، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "ما يحدث اليوم هو شبيه بالصورة التذكارية في نهاية سنة دراسية". وأضاف أن "مسألة التسميات تتجاوز مسألة الجنس أو تشريك النساء من عدمه، فهي متعلقة بالأساس بخصوصية الظرف الحالي الذي يتطلب، في ما يتعلق بالحقائب ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية، القدرة على التفاوض مع المؤسسات المالية الدائمة، لأنه دون هذه الحرفية في التفاوض ستختل التوازانات المالية بالكامل في المرحلة الآتية". ووفقاً للحطاب، فإنه "مهما كانت التجربة والشهادات العلمية ومهما كان الجنس، فإن أي وزير لن يتمكن من الإيفاء بالالتزامات المقبلة نظراً لصعوبة الوضع الاقتصادي ولعدم وجود برنامج دقيق وواضح واستراتيجي لعمل الحكومة"، وفق تعبيره. وأشار إلى أن "المتمعن في التعيينات الجديدة، لا سيما في ما يتعلق بالعنصر النسائي، يلاحظ أنه ليس للعديد منهن خبرة إدارية". وخلص إلى القول إن "تغليب الجانب السياسي على الحقائب ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي يُعدّ خطأ فادحاً، لأن المسألة تتعلق أساساً بالحنكة والدراية والحرفية في إدارة الشأن الاقتصادي وفي القدرة على التفاوض".