فاجأت رئاسة البرلمان نواب لجنة التشريع العام بالإعلان عن الأولويات التشريعية في ندوة صحفية عقدتها الأسبوع الماضي، وأكدت خلالها أن ما يعرف بقانون المصالحة، يأتي في مقدمة أولويات البرلمان، لتقوم اللجنة إثر ذلك بإعادة تنظيم جدول عملها، وتؤخر النظر في مشروع قانون المخدرات، ومشروع قانون يتعلق بمهنة عدول التنفيذ، إلى ما بعد النظر في قانون المصالحة، الذي ينطلق النظر فيه بالصيغة المقدمة من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بانتظار تقديمه لعدد من التعديلات الجديدة.
وتنطلق لجنة التشريع العام اليوم الأربعاء، في عقد جلساتها حول استراتيجية عملها ومنهجية النقاش في مبادرة المصالحة الاقتصادية والمالية، وحصر قائمة الاستماع التي ستجرى في إطار التعمق فيه، على أن ينطلق النقاش الفعلي بعد عيد الفطر.
وسبق وأعلن رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، الأسبوع الماضي، في ندوة صحفية تلت انعقاد ندوة الرؤساء، عن الأولويات التشريعية للفترة المقبلة، مبيناً أنه سيقع تمرير مبادرة قانون المصالحة الاقتصادية التي تقدم بها السبسي، كما سيتم الشروع في النظر فيها في الفترة المقبلة.
وشرح مقرر لجنة التشريع العام مراد الحمايدي لـ"العربي الجديد"، في تعليق على القرار، أن إعادة المبادرة الى الواجهة وتقديم النظر فيها يأتي في إطار مسار مرتبط بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
وأضاف الحمايدي، أن المشروع الذي ستدرسه اللجنة، هو مبادرة رئيس البلاد، بعد أن تخلت كتلة "النداء" عن المبادرة التشريعية التي أعدها رئيسها السابق الفاضل بن عمران، والتي كانت محل نقاشات بين الكتل من أجل جمع أكبر ما يمكن من توافق حولها قبل عرضها، لكن كتلة "النداء"، بمجرد استقالة رئيسها، تخلت عن المبادرة وأعادت مبادرة الرئيس من جديد إلى النقاشات.
بدورها، أفادت مقررة اللجنة، النائبة عن حركة "النهضة"، سناء المرسني، بأن اللجنة ستعرض مبادرة قانون المصالحة للنقاش فيها، وأنه من المنتظر أن تتقدم رئاسة الجمهورية بتعديلات عليها حتى تصبح ملائمة أكثر مع الدستور، ومع قانون العدالة الانتقالية، وأبرزت أن اللجنة أعادت ترتيب أولوياتها للمرحلة المقبلة، على ضوء التوافقات التي حصلت في ندوة الرؤساء.
وتابعت المتحدثة ذاتها، أن مبادرة المصالحة تُعد "مشروعاً ذا طابع مستعجل، نظراً لأهميته من الناحية الاقتصادية، إذ سيمكن من تسوية وضعيات رجال الأعمال المعنيين بالمصالحة، وهو ما سيتيح ضخ أموال ستنعش ميزانية الدولة، بالإضافة إلى قيمة المبادرة سياسياً، والتي تعتبر أول مقترح من الرئيس التونسي يوجه للبرلمان، وعلى النواب النظر فيه ومحاولة فهم رؤيته وتصوره للقضية، ولذلك قررت النظر فيه بعد عيد الفطر".
وتستمع اللجنة في إطار مناقشتها للمشروع إلى ممثلين عن رئاسة الجمهورية، وعن هيئة الحقيقة والكرامة التي سيطلب منها بيان النقاط الخلافية بين المشروع وقانون العدالة الانتقالية، كما سيدعى القضاة الإداريون، وخبراء القانون الدستوري والإداري، للاستماع إليهم حول المشروع وفق ما صرحت به مقررة اللجنة سناء المرسني لـ"العربي الجديد".
غير أن ترحيب الكتل الممثلة للرباعي الحاكم بعرض المشروع، قابله استنكار واستياء من ممثلي المعارضة داخل اللجنة، خاصة "الجبهة الشعبية"، التي سبق وقدمت مبادرة تشريعية حول موضوع المصالحة وتعديل صلاحيات لجنة التحكيم والمصالحة، صلب هيئة الحقيقة والكرامة، لتشمل تسوية وضعية رجال الأعمال المتورطين في نهب المال العام قبل ثورة العام 2010، لكن ذلك لم يدفع "الجبهة" لمعارضة عرض المشروع على اللجنة، ولم تتمسك بسحبه.
في السياق ذاته، دعا رئيس كتلتها أحمد الصديق في تصريح لـ"العربي الجديد"، اللجنة إلى توسيع مجال الاستماع حول المشروع، والاستفاضة في مناقشته، لأنه يمس مجالاً هاماً وحساساً للغاية، ولا يمكن تمريره دون نقاش معمق تحت حجة استعجال النظر فيه. حسب قوله.
وأشار الصديق في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "سرعة اتخاذ القرار بتقديم عرض المشروع على بقية القوانين التي تمت برمجتها سابقاً، والإعلان عن انطلاق النظر فيه بعد عيد الفطر، مؤشر على أن هناك نية بتمريره بسرعة فائقة، حتى لا يستوفي ما يستحقه من نقاشات، خاصة وأنه تم عرض المبادرة الأصلية التي قدمها قائد السبسي، رغم يقين الرئاسة والبرلمان معاً من وجود عدة نقاط مخالفة للدستور فيها".