تونس: الأزمات السياسية تحيي سجال تعديل القانون الانتخابي

22 فبراير 2020
برز عدد من التهديدات بالذهاب لانتخابات مبكرة (Getty)
+ الخط -
رافقت مشاورات تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ في تونس، تهديدات كبيرة بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وسط توقعات بأن تؤدي هذه الانتخابات، إذا حصلت، إلى إعادة إنتاج المشهد البرلماني والسياسي المشتت نفسه، بسبب القانون الانتخابي الذي لا يتيح بروز أغلبية واضحة بإمكانها أن تشكّل حكومة كما هو الشأن في العديد من الديمقراطيات.
وأظهرت كل الانتخابات الماضية أن القانون الانتخابي لن يقود إلا إلى برلمان متشظٍ، وهو ما دفع كتلاً وأحزاباً إلى اقتراح تغييره حتى قبل انتخابات 2019، وتم إقراره في البرلمان السابق وإجازته من هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين وعرضه على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي للتوقيع عليه كما ينص القانون، إلا أنه لم يفعل، وسط حالة من الغموض الكلي لهذا الامتناع بسبب وضعه الصحي آنذاك وتسريبات حول مناورات داخل القصر الرئاسي لمنع إصدار وتنفيذ القانون، واعتباره تغييراً لقواعد اللعبة قبيل الانتخابات.

ومع الحديث المثار منذ أسابيع حول إمكانية حلّ البرلمان وإعادة الانتخابات، اقترحت حركة "النهضة" مجدداً مشروع قانون لتغيير النظام الانتخابي، برفع العتبة الانتخابية (الحد الأدنى من الأصوات للحصول على مقعد في البرلمان) إلى خمسة في المائة. وبسبب المخاوف القائمة، أصبحت الحركة أكثر حرصاً على تمرير مقترحها القاضي برفع العتبة الانتخابية. وتمكّنت من حشد ما يكفي من الأصوات من أجل المصادقة على مقترحها في لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين الانتخابية، في انتظار تشكّل أغلبية نيابية خلال الأيام المقبلة تتيح تمرير المقترح في الجلسة العامة.

وأكد رئيس اللجنة النيابية هيثم إبراهيم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المقترح حظي بأغلبية الأصوات في اللجنة، التي ناقشته واستشارت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حوله. وذكّر بأن المقترح ينصّ على رفع العتبة الانتخابية إلى خمسة في المائة، بما يجعل من يحصل على عدد أصوات أقل من هذه النسبة غير مؤهل للحصول على تعويضات على نفقاته الانتخابية، ولا تحتسب الأصوات التي يحصل عليها في توزيع المقاعد.

وكان مقترح "النهضة" قد واجه في البداية رفضاً قطعياً من أطراف سياسية عدة، اعتبرته سلاحاً للمناورة وورقة ضغط في إطار مشاورات تشكيل الحكومة، وارتأت أطراف أخرى أن التوقيت ليس سانحاً لتمرير هذا المقترح. بيد أن تعثّر المشاورات ورفض رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ شروط "النهضة" المتمثلة في حكومة وحدة وطنية بمشاركة حزب "قلب تونس" وعدد من الحقائب الوزارية التي تختارها، كانا عاملَين مباشرَين ساهما في تشكّل تحالف نيابي أسهم في التسريع في تمرير مقترح رفع العتبة الانتخابية.

وأوضح القيادي في "النهضة" محمد القوماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المسارين متصلان؛ فرفْض مجموعة من الكتل النيابية، ومنها "النهضة"، لحكومة الفخفاخ الأولى، أنتج أغلبية برلمانية داعمة لمقترح العتبة. ونفى أن يكون هذا المقترح في إطار مناورة، قائلاً "إن الخلاف مع الفخفاخ كان في البداية خلافاً جوهرياً والموقف منه اتخذته أهم مؤسسة في الحزب وهي مجلس الشورى لا من باب المناورة والضغط وإنما هو موقف ثابت".
وللتذكير فإن "النهضة"، وعلى الرغم من دعمها حكومة الفخفاخ بسبب إكراهات محلية وإقليمية واحترازات حول التشكيل ذاته، عبّرت في بيان لها عن أسفها لعدم توسيع المشاورات وإشراك بقية الأحزاب في الحكومة التي أرادتها حكومة وحدة وطنية.


وأقر البرلمان بالفعل جلسة عامة للنظر في مقترح القانون الجديد، وكان يُفترض أن ينعقد قبل يوم من جلسة منح الثقة للحكومة (الأربعاء المقبل)، إلا أنه أُجِّل إلى بداية شهر مارس/آذار المقبل. ويبدو مبدئياً أن هذا القانون يحظى بقاعدة دعم قوية. وشدد القوماني، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، على أن الأغلبية متوافرة وهي الأغلبية الرافضة لخيار الفخفاخ، ممثلة بـ"النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، وتعد متقاربة في الآراء والمواقف وستصوّت لصالح المقترح في الجلسة العامة.

أما بالنسبة لموقف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فقال رئيسها نبيل بفون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه سبق عرض مقترح مماثل قبيل الانتخابات التشريعية الماضية وأعربت الهيئة آنذاك عن موافقتها على المبدأ مع تحديد العتبة بثلاثة في المائة فقط. وأشار بفون إلى أن الهيئة عرضت على النواب محاكاة للنتائج الانتخابية في حال تم تطبيق العتبة. وتتغير المعطيات في حال تطبيق عتبة ثلاثة في المائة إلى خمسة، إذ ستؤدي إلى نقصان الحاصل الانتخابي (باعتبار عدم احتساب الأصوات الممنوحة للقوائم الحاصلة على ما يقل عن العتبة المحددة)، وهو ما سيضيف عدداً من المقاعد للأحزاب الأربعة الأولى من حيث المقاعد في البرلمان بما يقارب السبعة في المائة لكل منها.
وعلاوة عن ذلك، شرح بفون أن الحساسيات الممثلة في البرلمان ومن بينها القوائم المستقلة والأحزاب الصغيرة، سيتقلص حجمها ليبدو البرلمان أقل تلوناً وتنوعاً. وأضاف أن الإدارة الانتخابية جاهزة ومستعدة لأي طارئ يستدعي إجراء الانتخابات.

ورداً على المقترح، اعتبر حزب "الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد" (يساري)، في بيان، أن مراجعة القانون الانتخابي بما في ذلك نظام الاقتراع أمر ضروري يحتاج إلى حوار سياسي ومجتمعي واسع ومعمّق لمزيد من تعزيز السيادة الشعبية بتكريس مبادئ النزاهة والشفافية، والقطع مع المال السياسي الفاسد وتوظيف الإعلام والمرافق العامة، ولا يمكن اختصار تنقيحه في بعض الإجراءات التي تخدم مصالح حزبية ضيقة، داعياً كافة القوى الديمقراطية ومكوّنات المجتمع المدني ذات الصلة إلى الوقوف ضد تمرير هذا التنقيح.
وأوضح الحزب أن كتلة حركة "النهضة" و"قلب تونس" عمدت في اجتماع للجنة النظام الداخلي في مجلس النواب، في غفلة من مكوّنات الساحة السياسية والمجتمع المدني، مستغلة حالة الانتظار التي تعيشها البلاد في مسار تشكيل الحكومة، إلى المصادقة على رفع نسبة العتبة إلى 5 في المائة، في إطار سعيها المحموم لتنقيح القانون الانتخابي بغاية إقصاء خصومها.

المساهمون