في المقابل، يجمع عدد من السياسيين والنواب وخبراء في القانون الدستوري، على أن "تونس تعيش أزمة حكم، فالنظام السياسي الحالي، البرلماني المعدل، يصعب تصنيفه ويثبت فشله ولم يفرز أغلبية حاكمة، لا بل قاد إلى ائتلافات لم تثمر أي نتائج إيجابية تكون في حجم انتظارات الطبقة السياسية والرأي العام في تونس". ويرى كثيرون أن "تونس لم تحقق الأهداف التي كان من المفترض أن يحققها الانتقال الديمقراطي، ويعود ذلك إلى طبيعة نظام الحكم السياسي الذي يتطلب مراجعة عميقة وإعادة نظر".
بدوره، أكد أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، أنّ "النظام الحالي لم يعطِ نتائج إيجابية، وهو ما يستوجب إعادة النظر بشأنه"، مضيفاً في مداخلة له خلال مؤتمر وطني انعقد منذ أيام بعنوان: "النظام الانتخابي وأزمة الحكم في تونس"، الذي نظمه ائتلاف "صمود" وحضره نواب ورؤساء أحزاب ووزراء وكتّاب دولة سابقون وممثلون عن المجتمع المدني، أنه "دافع منذ عام 2011 عن النظام الانتخابي الفردي مع ثلة من الجامعيين وقدموا مقترحاتهم ولكن لم يتم الاستماع إليها".
وأوضح بلعيد أن "نظام الاقتراع النسبي قاد إلى نتائج لم تكن فقط خطيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل كانت عواقبها وخيمة على المستويين السياسي والمؤسساتي، ما يستوجب منا إعادة النظر في النظام الانتخابي". وأشار إلى أنه "عندما تكون الوضعية السياسية صعبة ومتأزمة ينبغي استنباط نظام موازٍ لتدارك الخطأ في التسلسل الديمقراطي، فالانتخابات التشريعية السابقة حتّمت تحالفات غير متوازية وبالتالي أصبح العمل السياسي يركز على مصلحة الأحزاب قبل مصلحة الوطن". وأضاف أن "النظام الانتخابي الحالي أثبت فشله بصفة جلية، وهو ما حتّم ضرورة التوجه إلى نظام اقتراع الأفراد والتوجه إلى الديمقراطية التشاركية"، مشيراً إلى "ضرورة إيجاد ورقة عمل للحكومة المقبلة تكون مبنية على خارطة طريق جلية الأهداف والبرامج".
في السياق ذاته، أكد الأستاذ الجامعي أمين محفوظ، أن "اعتماد تونس في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2014) على نظام التمثيل النسبي، أدّى إلى طريقة اللاحكم، وهي طريقة أساءت إلى الطبقة السياسية وإلى سمعة الأحزاب، كما أضعفت السلطة الحاكمة والمعارضة". وأضاف محفوظ أنه "لا بد من العودة إلى الشعب يوم الاقتراع، وضرورة أن يقوم الناخب باختيار رئيس الحكومة الذي يعد المسؤول عن سياسته وعن اختيار فريقه الحكومي"، مشدّداً على "ضرورة تقليص عدد أعضاء المجلس النيابي".
كما أكد النائب عن حركة "مشروع تونس"، الصحبي بن فرج، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تونس تعيش أزمة حكم حقيقية"، مبيناً أن "اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج أفضل دليل على عمق الأزمة التي تمر بها تونس". ولفت إلى أن "جزءاً كبيراً من أزمة الحكم تتعلق بالنظام الانتخابي، الذي لا يفرز أغلبية قادرة على اتخاذ القرار وقادرة على ممارسة الحكم، وبالتالي هناك حتمية للائتلافات البرلمانية والتي لا يكون بينها أي تجانس، ما يجعل الحكومات المتعاقبة تعيش الإشكالات نفسها". وتابع النائب أنّه "لا بد من نظام انتخابي جديد قادر على إفراز أغلبية تكون قوية وممثلة للشعب، وقادرة أيضاً على ممارسة الحكم، ما يمكن من تقييمها والنظر في أدائها بعد الانتخابات".
كما اعترف المنسق العام لشبكة "مراقبون"، رفيق الحلواني، بـ"وجود أزمة حكم وحوكمة"، مبيناً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ الثورة (2010) ولغاية اليوم لم تفرز تونس نظام حكم ناجع، بل إن النظام الذي أفرزته فشل في إيصال البلاد إلى الأهداف التي تسعى إلى بلوغها، وبالتالي القيام بإصلاحات عميقة على مستوى الاقتصاد والجهات". وبيّن أنه "لا يمكن الحديث عن النظام الانتخابي إلا إذا تم النظر في نظام الحكم، أي بمنح صلاحيات أكثر للبرلمان والاتجاه نحو اللامركزية"، مبينا أنّ "هناك العديد من الإشكاليات التي تعيق نظام الحكم الحالي فلا توجد إرادة سياسية واضحة، وإن وُجدت فهي غير ناجعة".
ولفت الحلواني إلى أن "هناك الكثير من الأنظمة الانتخابية ويمكن النظر في تجارب مقارنة، ولكنها تبقى مجرد آلية لترجمة الإرادة السياسية"، معتبراً أن "النظام السياسي اعتمد النسبية والتقليص من صلاحيات رئيس الجمهورية. وتم الاتجاه نحو نظام برلماني، وبالتالي لا بد من إعادة النظر في نظام الحكم". وبحسب المنسق العام لشبكة "مراقبون"، فإنه "لا يمكن تغيير نظام الحكم قبل الانتخابات، وحينها يكون على قياس البعض لضمان النجاح، وبالتالي هناك أعراف وضوابط وتقاليد في الانتخابات يجب التقيد بها".
كما يرى منسق "ائتلاف صمود"، وسام الحامي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "النظام السياسي الحالي خلق ضبابية في المشهد السياسي، فالمسؤولية مشتركة ولا يمكن تحديد من يحكم حقيقة ومن يعارض، وبالتالي لا بدّ من ديناميكية جديدة ومن إصلاحات جذرية".
وأوضح أن "هناك إمكانية لوضع نظام انتخابي جديد والبحث في النظام الصالح لتونس وهو نظام الأغلبية على دورتين، أو النظام المختلط بأغلبية نسبية"، لافتاً إلى أن "الائتلاف يرى الذهاب إلى نظام الأغلبية في دورتين، ولا اختلاف في وجود أزمة من حيث ثقة التونسيين وعزوفهم عن الانتخاب، فالعملية الديمقراطية معطلة والواقع مترد".
أما العضو السابق للهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات، عبد الجواد الحرازي، فرأى أن "بوادر الأزمة موجودة وتتمثل في العثرات التي عرفها مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وكلها تتعلق بأزمة الحكم، فالجميع يحكم ولكن لا أحد يحكم". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه "لا بد من إصلاح جوهري وإدخال تعديلات على منظومة الديمقراطية في تونس في اتجاه مزيد من الديمومة والذهاب بها سريعاً لكي تستقر الأوضاع وتتجه تونس نحو البناء الصحيح".