تفاقم السجال بين الأحزاب السياسية في تونس، عقب صدور جملة من الأحكام، نهاية الأسبوع الفائت، ضد مسؤولين في النظام السابق. وفيما تباينت المواقف بين مندد ومؤيد، تعددت المبادرات التشريعية بين تنقيح القانون وإرساء "مصالحة سياسية".
وتباينت تعليقات السياسيين والنواب في الائتلاف الحاكم منذ صدور الأحكام بالسجن في حق خمسة مسؤولين في نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إذ شكك غالبيتهم في نزاهة الأحكام القضائية، منددين بتوقيت صدورها وعدم التعاطي بعدل ومساواة مع بقية القضايا المنشورة، كما وصفوا الأحكام بالانتقامية والانتقائية وبالمحاكمات السياسية وتصفيات الحسابات.
على الجانب الآخر، اعتبر عدد من نواب المعارضة أن هذه التعليقات تعد تدخلاً في الشأن القضائي ومساً باستقلاليته وحياده ومحاولة للتأثير على سير القضايا لفائدة المتورطين، وهو ما يشجع على استشراء الفساد وحماية الفاسدين، على حد توصيفهم.
ويعد البند 96 من المجلة الجزائية في تونس مكمن الجدل، وهو من أشهر البنود القانونية بعد ثورة "الحرية والكرامة" عام 2011، لاعتبار أن هذا البند يعد السند الأساسي في ما يسمى بمحاكمات الفساد المالي والإداري التي شملت كلا من الرئيس المخلوع بن علي وأصهاره وأقاربه ووزرائه ومستشاريه وغيرهم من الموظفين الساميين في الدولة.
وفي هذا الصدد، أكّد النائب عن حزب "نداء تونس"، حاتم الفرجاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه سيتقدم بمبادرة تشريعية أمام البرلمان لتنقيح البند 96 من المجلة الجزائية، معتبراً أن "هذا البند أدخل إرباكاً في صفوف الإدارة التونسية بعد الثورة، حتى إن موظفي الإدارة أصبحوا يمتنعون عن اتخاذ القرارات الإدارية خوفا من تعرضهم للملاحقات الجزائية نتيجة ما تعرّض له رؤساؤهم وزملاؤهم من ملاحقات إثر تورطهم في قضايا على معنى هذا القانون".
بدوره، قال أمين عام حزب "التيار الديمقراطي" المعارض، غازي الشواشي، في تدوينة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، "لا أفهم كيف يمكن لحزب سياسي يدّعي أنه حزب ديمقراطي حداثي تقدمي يطالب بعدم محاكمة متهمين بالفساد ونهب المال العام؟".
ووصف الشواشي، تعليقات بعض الأحزاب السياسية بأنها "عملية تسخين جارية من أجل إعادة طرح قانون المصالحة المغشوشة من جديد، والحال أن البلاد في أزمة اقتصادية خانقة تستلزم تضافر جهود كل الأطراف من أجل إنقاذ تونس وتوحيد صفوف التونسيين وليس تفريقهم"، على حد تعبيره.
واعتبر، في الوقت نفسه، أنه لو "كان لرموز نظام بن علي حصانة من كل ملاحقة قضائية بخصوص الجرائم التي اقترفوها، فلتكن كذلك لكل أفراد الشعب التونسي، ولنحترم بذلك قاعدة كلنا سواسية أمام القانون، طبقاً لما جاء به الدستور التونسي"، على حد قوله.
من جهته، أكد النائب في البرلمان ونائب رئيس كتلة "الحرة" التابعة لحزب "مشروع تونس" المعارض، صلاح البرقاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه سيتم تقديم مبادرة "المصالحة السياسية" تهدف إلى إزاحة الظلم عن جزء من التونسيين عبر تخليص الإدارة من شبح الخوف الذي بات يكبلها ويمنعها من المساهمة في إخراج البلاد من وضعها الخطير، مشيراً إلى أن القانون الجزائي الحالي يحمّل الإدارة والموظفين مسؤولية الاختيارات والقرارات السياسية المفروضة عليهم وتتم محاكمتهم عوضاً عن المسؤولين الحقيقيين عن الجرائم.
وأوضح البرقاوي، أن هذه المبادرة لا تعد تدخلاً في استقلال القضاء ولا مساً بقراراته ولا نيلاً من التوجه المبدئي في الحرب على الفساد السياسي والمالي المستشري في البلاد، مشيرا إلى أن المبادرة سيتم الإعلان عنها بمناسبة انعقاد الندوة الوطنية حول المصالحة الشاملة التي سينظمها الحزب الأسبوع المقبل.
ويذكر أن جمعية القضاة التونسيين قد دعت، في بيان لها، عموم القضاة العدليين والإداريين والماليين إلى استئناف التحركات بتنفيذ إضراب عام حضوري بكامل محاكم الجمهورية، يومي الأربعاء والخميس 8 و9 مارس/آذار، بسبب تردّي وضع المرفق القضائي.