وبعد فشل لقاء أمس بين الأحزاب المعارضة ووزير الداخلية، التقى زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، اليوم الجمعة، رئيس الدولة الباجي قايد السبسي، واستمر اللقاء قرابة الساعة وتطرقا خلالها إلى موضوعي المسيرة وقانون المصالحة، بالإضافة إلى قانون الطوارئ وتضييقه على الحريات.
كذلك وقع التطرق خلال اللقاء إلى الطريقة التي تعاملت بها قوّات الأمن في الأيام الأخيرة مع الاحتجاجات التي شهدتها مدن تونسية عدة.
وبخصوص قانون الطوارئ قال الهمامي إنّ البلاد "لم تعد في حاجة إلى هذا القانون وقد تبيّن بالكاشف أنّه استُغِلّ لضرب الحراك الاجتماعي والمطالب الشعبيّة".
في المقابل، رفع منظمو حملة "مانيش مسامح" شعارات عديدة مندّدة تأتي ضد قانون المصالحة وضد منع التظاهر غداً السبت في شارع الحبيب بورقيبة في تونس.
ويقف وراء "مانيش مسامح" متطوعون من الشباب ومكونات من المجتمع المدني ونشطاء حقوقيون، وشدد هؤلاء على حقهم في التظاهر غداً السبت في شارع الحبيب بورقيبة، على الرغم من تحذيرات وزارة الداخلية، وعلى موقفهم الرافض قانون المصالحة.
منظمو الحملة أوضحوا في لقاء صحافي أُقيم في مقر نقابة الصحافيين، اليوم الجمعة، رفضهم قانون الطوارئ الذي لا موجب له، والخروقات التي تضمنها مشروع قانون المصالحة.
ويقول المحامي شرف الدين القليل في تصريح لـ"العربي الجديد" إن حملة "مانيش مسامح" تعتبر حراكاً مجتمعياً مواطنياً مستقلاً عن الأحزاب السياسية وكل التنظيمات السياسية، معتبراً أن هذا الحراك لم يولد من فراغ بل كان نتيجة عدة تراكمات لنضالات شباب آمنوا بالدفاع عن عدة قضايا كقضية شهداء وجرحى الثورة.
وأضاف القليل أن مشروع قانون المصالحة يمنح للفاسدين "عذرية" جديدة، وبالتالي فإن تونس ليست في حاجة اليوم إلى أسباب إضافية إلى الاحتقان الاجتماعي وأنها تندرج ضمن المبادرات غير المسؤولة.
اقرأ أيضاً: سبعة أشهر على حكومة "نداء تونس" و"النهضة"... تحالف التناقضات
ويبدو أن حملة "مانيش مسامح"، والتّي انطلقت بشكل محدود يوم 27 أغسطس/ آب 2015 بمشاركة متطوعين من الشباب وناشطي المجتمع المدنيّ، استطاعت في وقت وجيز أن تكسر المركزيّة وتشكّل تنسيقيّات جهويّة في كلّ المحافظات التونسية، وتوسعت بذلك دائرة الاحتجاجات لتشمل أكثر من 15 ولاية خلال الفترة القليلة الماضية على الرغم مما تعرض إليه منظموها من اعتقالات وتعنيف ومضايقات من الأمن.
ومع ذلك يصرّ شرف الدين القليل أنّ المتظاهرين غداً لن يتنازلوا أبداً عن حقهم في التظاهر وسيتصدون إلى كافة محاولات السلطة في مصادرة الشارع وحق التظاهر، معتبراً أنّ تحذيرات وزارة الداخلية بوجود تهديدات إرهابية لن تثنيهم عن التظاهر، مؤكداً أنهم شركاء في محاربة الإرهاب وأنهم أحرص من السلطة في محاربة هذه الظاهرة ولكنهم يدعون إلى مقاومة الأسباب الحقيقية للإرهاب من جوع وظلم وقهر وجهل وفساد واستبداد.
ويواجه قانون المصالحة الاقتصادية الذي أطلقته مبادرة تشريعية رئاسية انتقاداً واسعاً من الشارع التونسي وحتى من بعض القضاة أنفسهم. وفي السياق يعتبر القاضي أحمد صواب أن نص مشروع قانون المصالحة "ضعيف" المبنى وهزيل، إذ يتضمن ثلاثة محاور غير متجانسة ولا يمكن أن تناقش ضمن 12 فصلاً.
وأكد صواب لـ"العربي الجديد" أن المحور الأول يتعلق بالعفو عن الفاسدين من الدولة وأن عبارة "الموظفين" الواردة في نص المشروع تخفي وراءها الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين بالوزارات والولاة والمعتمدين والعمد ورؤساء المؤسسات العمومية والمنشآت العمومية والسفراء والقناصل، والذين سيحصلون بموجب قانون المصالحة على عفو مباشر وفق الفصل 2 من المشروع.
وأوضح أن هناك أكثر من 1300 مليار في القطاع البنكي كانت قد اختفت ولا يعرف مآلها ومن حصل عليها، مما سيمهد لمزيد من تبييض الأموال العمومية.
وذكر أن الملف الثاني في مشروع المصالحة يتعلق برجال الأعمال وينص الثالث على جلب الأموال المهربة من الخارج.
وانتقد صواب كيف أن المحاور الثلاثة التي تم ذكرها ضمن مشروع المصالحة وردت ضمن 12 فصلاً وإذا استثنينا الفصلين الأولين لأنهما فصلان تقنيان يتعلقان بشرح الأسباب فإن المشروع ككل ورد في 10 فصول وهو ما لا يستقيم قانونياً ويستحيل تقنياً معالجة الملفات الثلاث الكبرى في 10 فصول، كما أنه من الناحية التشريعية يمسّ المشروع بقانون المصادرة وينسف المؤسسات التشريعية ومنها الهيئة العليا لمقاومة الفساد، كما أنه يخالف نص الدستور الذي ينص على القطع مع الظلم والحيف والفساد.
من جانبها، اعتبرت سمر التليلي العضوة بـ"مانيش مسامح" أنّ الحراك الذي تكون منذ نحو شهرين ووجد التفافاً واسعاً من الشباب الثوري.
وبيّنت سمر أنّ شعار "مانيش مسامح" وجد انتشاراً واسعاً على صفحات التواصل الاجتماعي لأنه يتعلق بالدفاع عن الحقوق ويطالب بمعرفة مصير ثروات البلاد وبمحاسبة الفاسدين.
واعتبرت أن هذا لا يعني أنهم ضد "المسامحة" ولكن تتم المسامحة فقط بعد المحاسبة فالمسامحة من دون محاسبة لا تجوز ولن تتم.
وقالت إن تخويف التونسيين بعدم التظاهر بحجة الإرهاب لن يدفعهم إلى التراجع، فهم في مواجهة للإرهاب ولكنهم يأملون أن تكون معالجة الإرهاب من جذورها وليس بتمرير قانون يعمل على تبرئة الفاسدين وتبرئة من أجرم في حق التونسيين، مما قد يعمق الحقد والتهميش والإحساس بالظلم.
واعتبرت الناشطة الحقوقية والمناضلة نزيهة رجيبة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك نيّات للتراجع عن المكاسب التي تحققت إبان ثورة 14 يناير، وأنها تضم صوتها إلى الشباب الثوري الذي يسعى إلى التغيير وإلى المضي قدماً، طالما أن هؤلاء الشباب يحمي الثورة.
وقالت رجيبة إن هذا القانون هو أحد مظاهر إهانة الثورة وإهانة دماء الشهداء الذين صرخوا "الشغل استحقاق يا عصابة السرّاق".
وترى رجيبة أنّها بحكم عامل السن لا تستهتر بالمخاطر الإرهابية ولكنها في المقابل تعرف ومنذ عهد الرئيس المخلوع أنه كلما تم تخويف المتظاهرين بالإرهاب وبسيناريو هجمات 11 سبتمبر/أيلول فإن تلك الفترات ستستغل لتمرير قوانين ضدّ التونسيين وليّ الإرادات.
اقرأ أيضاً: الحكومة التونسية ترفض الترخيص لتظاهرات مندّدة بقانون المصالحة