ترتفع نسبة التونسيين الذين يعانون من الاكتئاب، بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية. حقيقة هذا الأمر ما زالت خاضعة للجدال، وإن كانت الأزمات كثيرة
تعاني سامية (40 عاماً)، وهي موظفة في مؤسسة حكومية، من الاكتئاب، ما جعلها تفضّل العزلة. تنتابها نوبات بكاء من حين إلى آخر، وتقول إن طلاقها من زوجها والضغط المتواصل في العمل وتدهور ظروفها المادية، كلّها عوامل أثّرت على نفسيتها كثيراً، الأمر الذي جعلها تخاف من المستقبل وتفقد تدريجياً الإحساس بالسعادة. ولكثرة ما تفكّر لم تعد تنام.
تضيف سامية، وهي أم لبنتين، أن الأمر وصل بها إلى حد فقدان الرغبة في العمل، حتى إنها صارت تحصل على الكثير من الإجازات المرضية، خصوصاً أن طليقها يعمل معها في المؤسسة نفسها. تضيف لـ "العربي الجديد": "أصبحت أرفض لقاء صديقاتي لأنني أشعر بتعب نفسي. حتى العلاج لدى طبيب نفسي لم يحسّن وضعي".
سامية ليست وحدها، إذ يعاني نحو نصف مليون شخص من الاكتئاب، بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية حول الأمراض النفسية في القارة الأفريقية. تضيف أن تونس احتلّت المرتبة الثالثة أفريقياً، إذ يعاني 518 ألف تونسي من الاكتئاب، بعد كل من جيبوتي وجمهورية الرأس الأخضر، مشيرة إلى أن عدد الأفارقة الذين يعانون من اضطرابات نفسية مرتبطة بشكل أساسي بالاكتئاب يقدر بنحو 19.29 مليون شخص، بينما يقدر عددهم في العالم بنحو 322 مليون شخص.
أرقام يؤكدها أطباء نفسيون في البلاد، معتبرين أن أعداد المصابين في تزايد مستمر بسبب ضغوط الحياة والظروف الاقتصادية والاجتماعية. لكن يرى آخرون أن هذا مبالغ فيه، خصوصاً أنّ هناك أنواعاً عدة من الاكتئاب.
ومن أعراض الاكتئاب الحزن، والشعور الدائم بالقلق، وفقدان الاهتمام أو الرغبة في القيام بأي نشاط، والتعب، إضافة إلى فقدان الثقة في النفس، واضطرابات في النوم أو الشهية، بحسب المتخصص في الأمراض النفسية والعصبية سفيان الزريبي. ويقول لـ "العربي الجديد": "يرتفع عدد التونسيين الذين يلجؤون إلى عيادات الأطباء النفسيين، ويستهلكون الأدوية المهدئة للأعصاب"، ويشير إلى أن نسبة المصابين بالاكتئاب في تونس في ارتفاع مستمر.
ويبيّن أنّ الأرقام التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية قد تكون واقعية لأسباب عدة، منها فقدان الأمل والقلق المتزايد والإحساس بالخوف والضغط النفسي المستمر نتيجة ضغوط الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى جانب ضبابية المشهد السياسي. بالتالي، فإنّ التونسي مكتئب، والأرجح أن الاكتئاب المقصود بالدراسة ليس النوع الحاد منه.
ويوضح الزريبي أنّ للاكتئاب درجات، فهناك الاكتئاب الخفيف الذي يستمر بضعة أيام ويكون نتيجة ظرف أو موقف معين وسرعان ما يزول. ويمكن للشخص تجاوز هذا الشعور. لكن يعاني آخرون من اكتئاب حاد، وقد يتطور لديهم المرض، وبالتالي يجب على هؤلاء تناول أدوية.
ويبين الزريبي أن جميع الفئات معرضة للاكتئاب، فنجد الأطفال والنساء والشباب والرجال. لكن لوحظ في الأعوام الأخيرة تزايد حالات الاكتئاب لدى الشيوخ، مرجحاً أن يكون نمط الحياة السريع، وانشغال الأبناء بالعمل وتقلص الاهتمام برعاية المسنين، سبباً في الاكتئاب لدى الكثير منهم.
من جهته، يرى الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعصبية، عماد الرقيق، أنّ التونسي يعاني من الاكتئاب بسبب المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. كل هذه العوامل تؤثر على الحالة النفسية للأفراد فيصابون بالاكتئاب. ويبيّن أن تفاقم المشاكل المادية يضاعف شعور كثيرين بالاكتئاب، ويزيد من حدة المشاكل الأسرية والطلاق. ويبيّن أن التونسي أصبح أكثر تشاؤماً وانفعالاً، ما يفسر الشعور المتزايد بالقلق والخوف من المستقبل. ويؤكد أنّ الاكتئاب قد يتطور، وإن لم يخضع الشخص للعلاج، يصل الأمر به إلى حد الانتحار، لأنه يفقد الرغبة في الحياة، ما يفسر ارتفاع حالات الانتحار في تونس، التي شملت الأطفال والشباب.
أما استشاري الطب النفسي للأطفال وحيد قوبعة، فيقول لـ "العربي الجديد" إن شعور الإنسان بالضيق لا يعني أنه يشعر بالاكتئاب. ويبيّن أنه يستبعد أن يكون نحو نصف مليون تونسي مصابين بالاكتئاب، لأن هذا الرقم يمثل نحو 30 في المائة من التونسيين. ويبين أن تشخيص إصابة الشخص بالاكتئاب من عدمه يكون وفق معايير موضوعية ودراسات علمية تشمل آلاف الأشخاص، وبعد تتبّع وضعهم الصحي، خصوصاً أنّ تشخيص الإصابة بالاكتئاب تعني علاجا وأدوية، مستبعداً أن يكون نصف مليون تونسي يحصلون على علاج أو أدوية مضادة للاكتئاب.
ويوضح قوبعة أنّ دراسة أعدت في التسعينيات لطبيب نفسي تونسي يُدعى الهاشمي زهير، شملت عينة ممثلة من إجمالي السكان (10 آلاف)، تتبّع فيها ملفاتهم الصحية وتشخيص إصابتهم بالاكتئاب من عدمه. بالتالي، أيّ دراسة يجب أن تتبع معايير معينة. ويبين أنّ التقديرات في العالم تشير إلى أنّ نسبة 10 في المائة من السكان مصابون بالاكتئاب، غالبيتهم لا يعرفون أنّهم مصابون بالاكتئاب، ولا تتجاوز النسبة الواحد في المائة.
ويتوقع أن تكون النسبة في تونس قريبة من المعدل العالمي، أي نحو 10 في المائة، مبيناً أنّه حتى خلال وجود أزمة في بلد ما أو حرب أو أزمة اقتصادية، فإن هذه العوامل لا تجعل الأفراد يصابون بالاكتئاب. يضيف أن الاكتئاب مرتبط بالهشاشة النفسية للأفراد، إضافة إلى العوامل الخارجية التي تؤثر فيهم. لكن أصحاب الشخصيات القوية نادراً ما يصابون بالاكتئاب، إلاّ في حال تعرّضوا لصدمات قوية.
ويفيد قوبعة بأنّ الوقاية تظل أهم من العلاج، لأنّ كثرة استهلاك المنبهات ومشاهدة أفلام الرعب تحفز الشعور بالقلق، ولا بد من تجنبها وممارسة النشاط الرياضي والمشي، لأنها عوامل تحمي من الاكتئاب. وبالنسبة للأطفال، فإنّ ألعاب الفيديو تسبب الاكتئاب لديهم وتشجعهم على العنف وتزيد الشعور بالقلق لديهم، مشيراً إلى أهمية استهلاك السمك لأنّه يحمي من الاكتئاب.