مرة أخرى، تهدّد أزمة البطالة تونس بالاشتعال. في الوقت الحالي، اختار الشباب الاعتصام أمام مقرات السلطات الرئيسية، عل المعنيين يستجيبون لمطالبهم وينفذون وعودهم.
في 9 فبراير/شباط الماضي، غادروا إحدى محافظات الجنوب التونسي سيراً على الأقدام، ومشوا أكثر من ثمانية أيام. هم 58 شاباً من حاملي الشهادات العليا، ويتحدرون من محافظة قفصة. قرروا السير على الأقدام والوصول إلى ساحة الحكومة في العاصمة احتجاجاً على البطالة، وللمطالبة بتشغيلهم وإيجاد حلّ لمشاكلهم. هذه الرحلة الطويلة جعلت بعضهم يعاني من تقرحات عدة في الأقدام نتيجة السير مسافة طويلة.
بداية، تجاهلت السلطات الرسمية مطالبهم، فاختاروا الاحتجاج أمام مكتب أعلى هرم في السلطة، علّه يصغي إلى مشاكلهم. لكن للأسف، لم يتحقق مبتغاهم بعدما تعرضوا لحصار أمني في إحدى ضواحي العاصمة، وتحديداً في منطقة المروج. ومنذ نحو شهر، ينام هؤلاء في العراء علّهم يجدون مساندة حقوقية وسياسية. إلا أن قوات الأمن تعمدت بناء حاجز حديدي وقطع الطريق أمام كل من أراد الالتحاق بالاعتصام لتقديم المساندة، سواء من أهالي المنطقة أو المواطنين. وتحاصر سيارات الأمن الاعتصام بصفة يومية ليلاً ونهاراً، بحسب ما أشار إليه أحد منظمي المسيرة علي سالم لـ "العربي الجديد". ويؤكد أن المعتصمين لم يتلقوا أي دعم من أي جهة رسمية للإصغاء إليهم وإيجاد حلول لمطالبهم.
في المقابل، اختارت القوات الأمنية منذ اليوم الأول، ممثلين عن المعتصمين للقاء مستشار رئيس الحكومة المكلف بالملف الاجتماعي والصحي السيد بلال، وكمال الجندوبي المكلف بالعلاقة مع المجتمع المدني والهيئات الدستورية، بحسب سالم.
يشير إلى أنهما عرضا البرنامج الحكومي للسنوات الأربع المقبلة، من دون توضيح نصيب العاطلين عن العمل منه، أو تقديم خريطة عمل واضحة، ومؤكداً أنّهم مصرون على مواصلة احتجاجهم لتحقيق مطالبهم بعد سنوات طويلة من البطالة.
وتتمثل مطالب الشباب الـ 58، والذين قدموا من قفصة، بمراعاة أوضاعهم الاجتماعية، وتفعيل قرار تشغيل فرد من كل عائلة في الوظيفة العامة، بالإضافة إلى مراجعة الانتدابات في شركة فسفاط قفصة والسكك الحديدية، في ظل أحقية أبناء الجهة في العمل فيها.
اقرأ أيضاً: معركة أمعاء خاوية في تونس
هؤلاء المحتجون ليسوا الوحيدين الذين قدموا من الجهات الداخلية للعاصمة للمطالبة بالتشغيل وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. فأمام وزارة التشغيل في العاصمة، يربض في العراء نحو 30 شخصاً من محافظة القصرين منذ 12 فبراير/شباط الماضي. هم أيضاً يطالبون بالتشغيل وانتدابهم، في وقت يعتصم أكثر من 14 خريجاً من كليات التربية وغيرها أمام وزارة المرأة منذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي، وقد قدموا من جهات مختلفة من أجل المطالبة بإعادة فتح باب الانتدابات التي أغلقت منذ أربع سنوات.
ويبدو أنّ شباب الجهات الداخلية، وبعد أكثر من شهرين على انطلاق موجة الاحتجاجات في قفصة والقصرين وجندوبة وسليانة وغيرها من الولايات، التي اتبعوا فيها كل أشكال التحركات بداية من المسيرات السلمية وقطع الطرقات والإضراب عن الطعام وخياطة الأفواه وصولاً إلى التهديد بالانتحار، لم يجدوا حلاً غير التوجه إلى المركز والاعتصام أمام مقرات السيادة ووزارات الإشراف والهياكل التشغيلية، عل الوعود التي حصلوا عليها قبل خمس سنوات تتحقق.
تجدر الإشارة إلى أن تونس شهدت منذ يناير/كانون الثاني الماضي احتقاناً كبيراً في صفوف الشباب واحتجاجات شملت غالبية محافظات البلاد للمطالبة بفرص عمل. وعلى الرغم من وعود الحكومة بإيجاد حلول عاجلة، إلاّ أنّ غالبية الشباب، سواء من عدم حاملي الشهادات أو من أصحاب الشهادات العليا، لم يحصلوا على أي فرص عمل.
من جهته، يوضح رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة ما زالت تتجاهل مساعي المنظّمات والجمعيات لإيجاد حل لاحتقان الشارع، وسبل للحوار بين المحتجين والحكومة، سواء في العاصمة أو داخل الجهات. أيضاً، تجاهلت مطلباً للحوار كانت قد تقدمت به منظمات وجمعيات المجتمع المدني. يضيف أن الحكومة تراهن على تعب المحتجين وقسوة الطقس لتلاشي التحركات، وخصوصاً أن جميع الوزارات تعتمد المنهاج نفسه.
على صعيد آخر، يؤكد الهذيلي أن "لدى المحتجين مطالب معقولة وغير مجحفة تراعي الوضع العام في البلاد، وعلى الحكومة الدخول معهم في حوار جدي أو تتحمل مسؤولية ما قد يحدث في حال عاد الاحتقان إلى الشارع مجدداً نتيجة البطالة، وقد يلجأ الناس إلى قطع الطرقات ما قد يؤثر على مصالح الناس والإنتاج".
تجدر الإشارة إلى بدء أعمال الحوار الوطني الخاص بالتشغيل من قبل رئيس الحكومة الحبيب الصيد، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والبنك الدولي ومنظمة العمل الدولية وممثلين عن منظمات دولية كبرى. قبل ذلك، كان رئيس الحكومة قد شارك في جلسة عمل تشاورية ضمت وفداً من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
في المقابل، أعلن الاتحاد الوطني لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل مقاطعته لأعمال الحوار الوطني حول التشغيل. وقال رئيس الاتحاد سالم العياري إن الحوار مضيعة للوقت، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقة للمضي باتجاه تطبيق المقترحات لحل أزمة البطالة في تونس.
اقرأ أيضاً: شباب بنقردان في مواجهة الارهاب بعد تهميش طال