تُشكّل إعادة قراءة المرويات التوراتية التي استند إليها المشروع الصهيوني، المتمثّل في الاستعمار الإحلالي، الميدانَ الأساسي الذي يتحرّك فيه توماس ل. ثومسون (1939)؛ حيث يخلص في عددٍ من مؤلّفاته إلى أن التوراة ليست تاريخاً لماضي أحد، وأنَّ قصة إسرائيل المختار والمنبوذ التي يقدّمها، هي مجاز فلسفي للجنس البشري الذي ضلّ طريقه.
قدّم عالم اللاهوت الدنماركي من أصل أميركي مؤلّفات عديدة خلال أكثر من أربعين عاماً؛ منها: "تاريخ الروايات البطريركية: البحث عن إبراهيم التاريخي"، و"التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي: من المصادر المكتوبة والأثرية"، و"قُمران بين العهدين القديم والجديد"، و"الماضي الأسطوري: علم الآثار التوراتي وأسطورة إسرائيل".
كتاب "الماضي العصي: دراسات في تاريخ فلسطين"، الذي صدر مؤخّراً عن "دار الناشر"، هو أحدث مؤلّفاته، وقد كتبه بالاشتراك مع زوجته الباحثة الدنماركية إنغريد يلم (1951) التي ترأس مشروع "تاريخ فلسطين وإرثها" في "جامعة كوبنهاغن"، ويضمّ العمل مجموعة من المحاضرات التي ألقاها الباحثان في عدد من الجامعات الفلسطينية، وتناولت في مجملها تصحيح المسارات في طريقة قراءة التاريخ الفلسطيني.
اشترك الأكاديميان في تأليف وتحرير عدد من الدراسات والندوات؛ من بينها: "مقاربة نقدية جديدة لتاريخ فلسطين: مشروع تاريخ فلسطين وتراثها" (صدر منه جزء أول بالتعاون مع مؤلّفين آخرين)، و"التاريخ والآثار والكتاب المقدّس بعد أربعين عاماً من 'بني إسرائيل'"، و"فُقد وعُثر عليه؟ إسرائيل - اللايهودية من نقش مرنفتاح إلى العصر البيزنطي".
وكان ثومسون قد تخلّى عن جنسيته الأميركية وانتقل إلى الدنمارك التي نال جنسيتها، بعد فصله من "جامعة ماركيت" وتعرّضه إلى هجوم ممنهج من دوائر صهيونية منذ سبعينيات القرن الماضي؛ حيث أعدّ أطروحة الدكتوراه حول دراسات العهد القديم، كما عمل في الثمانينيات ضمن مشروع مع "اليونسكو" حول تثبيت الأسماء الفلسطينية لأماكن في فلسطين، بعد تغييرها من قبل سلطات الكيان الصهيوني.
صدر الكتاب الجديد بدعم من "البيت الدنماركي" في فلسطين، وقدّم له الباحث الفلسطيني حمدان طه. وفيه، يسعى ثومسون ويلم إلى توضيح الفروقات التي أحدثتها الاكتشافات "الأركيولوجية" بين فكرة "إسرائيل" القديمة و"إسرائيل" التوراتية.
يشمل الكتاب عشر محاضرات أُلقيت في "جامعة الخليل"، و"المدرسة التوراتية"، و"المتحف الفلسطيني" في بيرزيت، ودائرة التاريخ والآثار في "جامعة بيرزيت"، ودائرة الآثار في "جامعة القدس أبو ديس"، و"الجامعة العربية الأميركية" في جنين.
يؤكّد الباحثان أنّ عملهما "يعتمد على الأدلة التاريخية والأثرية، بدلاً من القراءة التقليدية للكتاب المقدّس، والتي تقدّم ماضياً أسطورياً وتفسّر القصص التوراتية والتقاليد كما لو كانت تاريخاً موثوقاً"؛ حيث يركّزان على طرح منظور جديد لدراسة تاريخ وحضارة المنطقة، ليس بالاعتماد على التقاليد التوراتية، بل على آخر التطوّرات في الدراسات الأثرية والإثنوغرافية والأنثروبولوجية، ووصف الإرث القديم والهوية القديمة المناسبة لجميع الشعوب التي سكنت فلسطين عبر التاريخ.
يُذكَر أنَّ مشروع "تاريخ فلسطين وتراثها" تأسّس عام 2014 لتحقيق غايتين؛ هما: إنتاج تاريخ موثوق به في فلسطين، وتقديم هذا التاريخ كأساس لإنتاج كتب من شأنها أن تُعلي تاريخ فلسطين المبني على أدلة علمية بمشاركة أكاديميين وباحثين، بعيداً عن التقاليد التوراتية.