ما إن وصل خبر التوصل لاتفاق نووي إطاري بين إيران ومجموعة دول 5+1، من لوزان السويسرية إلى طهران، حتى انعكس الأمر مباشرة بشكل إيجابي على السوق الإيرانية يوم السبت، وهو أول يوم عمل رسمي بعد انتهاء العطلات بمناسبة رأس السنة الإيرانية الجديدة؛ والتي بدأت في 21 مارس/آذار الفائت.
وكانت أولى بوادر التحسن ارتفاع العملة الإيرانية والبورصة الإيرانية وارتفاع أسهمها، حيث ارتفع سعر الريال أو التومان الإيراني أمام الدولار، وبلغت قيمة الدولار 3200 ريال إيراني. وهنالك توقعات بارتفاع كبير متوقع على صعيد أسعار الأسهم.
ويقول خبراء في طهران إن هذا الاتفاق الأولي، سيؤدي لتبعات نفسية إيجابية أكثر من التبعات الحقيقية على السوق الإيرانية، فحتى وإن كانت طهران ستمنح امتياز إلغاء كل العقوبات الأوروبية والأميركية وعقوبات مجلس الأمن الدولي المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي
بموجب اتفاق لوزان، لكن هذا البند لن يدخل حيز التنفيذ عمليا حتى صياغة الاتفاق النهائي مطلع يوليو/تموز المقبل.
وحتى حينه، دعا البعض في الداخل الإيراني للاستفادة من هذه النتائج النفسية الإيجابية، فقال نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني محمد رضا بور ابراهيمي، إنه على أصحاب رؤوس الأموال في الداخل الإيراني الاستفادة من الوضع الراهن في السوق والبدء بالاستثمار، فنتائج اتفاق لوزان لن تظهر بسرعة دون عوامل ضغط داخلية تدفع باتجاه انتعاش وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد الداخلي.
ونقل عنه موقع إيران اكونوميست، قوله إنه على المستثمرين الاستفادة من انخفاض التكاليف وتعرفة الاستثمار، فهذا سينعكس إيجاباً على الإنتاج المحلي وعلى القطاع الصناعي بشكل أساسي، معتبراً أنه إذا لم يتم التشجيع على الاستثمار الداخلي، فعدم إلغاء كل العقوبات مستقبلاً سيجعل من اتفاق لوزان عاملا مهدئا للاقتصاد وليس دواءً شافياً له.
وقال الخبير الاقتصادي محمود جامساز إنه يجب التركيز على الاستثمار الداخلي خلال هذه المرحلة كثيراً، فاتفاق لوزان ما زال على شكل صيغة تفاهم مشترك، ولم يتحول لاتفاق بتعهدات حقيقية مكتوبة، وأضاف لـ "العربي الجديد" أن جذب رؤوس الأموال الأجنبية لتستثمر في الداخل الإيراني أمر مهم أيضاً، ولكنه قد يتأخر كون الكل سيكونون بانتظار التوافق الأخير، وبانتظار ما إن كانت كل العقوبات ستلغى بشكل فوري أم بشكل تدريجي.
وذكر جامساز أن الاستثمار الأجنبي يجب أن يركز على توقيع عقود واتفاقيات تعاون مع أطراف خارجية، ويفضل ألا تكون تابعة للقطاع العام، بل على طهران حسب رأيه أن تتجه نحو المستثمرين في شركات خاصة لتطوير مشاريع يجب أن تكون عمرانية بالدرجة الأولى، فهذا سيحقق الانتعاش ويزيد فرص العمل للإيرانيين بذات الوقت، ويحل أزمة زاد عمرها على الخمس سنوات وهي مشكلة البطالة، قائلاً إن فتح الباب أمام القطاع الخاص سواء الإيراني أو الأجنبي سيصب لمصلحة الكل.
كما يتوقع مراقبون أن القطاع النفطي الإيراني جانب آخر سيفتح أمام الاستثمارات الأجنبية، فطهران خسرت خلال السنوات الماضية الكثير بسبب الحظر النفطي المشدد قبل أكثر من ثلاثة أعوام. وانخفض إنتاج إيران النفطي من ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً إلى 2.8 مليون برميل يومياً.
اقرأ أيضاً:
لا طفرة في صادرات النفط الإيراني خلال العام الجاري
وحاولت طهران جذب العديد من الشركات الأجنبية منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة
الرئاسة عام 2013، لكن الانخفاض الشديد في أسعار النفط خلال الأشهر الفائتة، أدى لتراجع هذه الاستثمارات وتعليقها، فالبلاد كانت بحاجة لإبرام عقود لزيادة التنقيب والإنتاج والتصدير النفطي، لكن كل هذا تم تعليقه بسبب ما اعتبره المسؤولون الإيرانيون حرباً نفطية تشن على البلاد من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها، وهذا لمنعها من إنعاش اقتصادها.
ومع هذا يبقى الاتفاق الإطاري كفيلا بتخفيف التوتر بين طهران والآخرين، وهو أمر إيجابي، سيساعد على جذب السياح الأجانب إلى طهران أيضا ومنهم المستثمرون كذلك، فهؤلاء يحتاجون لطمأنات سياسية بالدرجة الأولى.
ويعلم المسؤولون في إيران أن تعزيز القطاع السياحي سيفيد اقتصاد البلاد من أكثر من جهة، وكانت نقابة السياحة قد أعلنت في وقت سابق أن البلاد استقبلت خلال العام الماضي خمسة ملايين سائح، بينما كان عدد زوار البلاد في العام الذي سبقه مليونين و300 ألف.
وتتوقع وزارة السياحة أن يزداد هذا العدد خلال هذا العام بنسبة 30%، وهو ما سيعود على إيران بمليارات الدولارات، ففي العام الماضي كانت العائدات من قطاع السياحة 6 مليارات دولار.
ويلاحظ أن التركيز في إيران يزداد على قطاع السياحة الحلال بشكل خاص، فإيران بلد يطبق القانون الإسلامي، ويعلم أن أوضاع المنطقة المتأزمة قد تساعد بجذب السياح إلى إيران، سواء أولئك الذين يأتونها في سياحة دينية، أو من العائلات التي تفضل قضاء الوقت في بلد إسلامي. ولكن يلاحظ أن انتعاش السياحة سيكون مرتبطاً بالمزيد من الانفتاح وتحقيق النتائج الإيجابية لاتفاق لوزان، كما قال أستاذ علم الاقتصاد حسين أنصاري فرد.
وأضاف فرد لـ "العربي الجديد" أن تطوير القطاع السياحي على أهميته الاقتصادية يتطلب تحقيق شروط كثيرة، أولها ضرورة التسويق بشكل صحيح لجذب المزيد من السياح لإيران، وتوسيع البنى التحتية، فضلاً عن تجاوز كل المعوقات الأخرى التي تضعها المشكلات السياسية كعثرة أمام إيران خلال المرحلة الراهنة.
وركز العديد من التقارير الاقتصادية التي نشرت في المواقع والصحف الإيرانية، على تداعيات
اتفاق لوزان الإطاري على قطاعي السياحة والاستثمار، فوجود ما يقارب من الثمانين مليون نسمة في هذا البلد، وامتلاك إيران 9% من المخزون العالمي للنفط، و18% من مخزون الغاز، يخلق فرص استثمار كبرى أمام إيران.
لكن العقوبات الاقتصادية خلال السنوات الماضية وقفت بالمرصاد بوجه هذه المشاريع، فالحظر على النقل البحري والجوي وعقوبات السوق النفطية والبنك المركزي، جعلت من الصعوبة بمكان على طهران تحقيق أهدافها، وأدت لتراجع اقتصادها في كل المجالات بنسبة 20% وفق تقارير الكونغرس الأميركي، لكن الظروف الحالية قد تسمح لطهران المضي قدماً؛ وهذا يعتمد على تجاوز بعض التحديات الآنفة الذكر.
اقرأ أيضاً:
مخاطر تهدد مكاسب إيران الاقتصادية من الاتفاق النووي