وذكر مصدران دبلوماسيان لوكالة "فرانس برس" أن المقترح نال 82 صوتاً مؤيداً مقابل 24 معارضاً، ليحقق بسهولة غالبية الثلثين اللازمة لإقراره. وحظي المقترح بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحاول الروس وحلفاؤهم على مدى اليومين الماضيين إجهاض المقترح البريطاني والمدعوم غربياً، خصوصاً من فرنسا والولايات المتحدة، لكن نجحت بريطانيا في تمرير المقترح بعد رفض أربعة تعديلات على المشروع البريطاني، قُدمت من جانب إيران وفنزويلا وكازاخستان وبيلاروسيا.
واعتبر السفير البريطاني بيتر ولسن في تغريدة أن "تعديل بيلاروسيا القرارَ الذي اقترحناه مع آخرين لتعزيز (صلاحيات) منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كان سيؤدي إلى تدميره ويجعل تحديد مرتكبي الاعتداءات بالأسلحة الكيميائية مستحيلاً". وأضاف: "لقد أسقِطت. 23 دولة فقط صوتت لمصلحة (التعديلات)، 78 صوتت ضدها"، علماً أن التعديلات الأخرى سقطت أيضاً. ويعد تمرير القرار انتكاسة جديدة لروسيا التي هاجمت المقترح. ورأت البعثة الروسية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أن عرض لندن إدخال تغييرات على المنظمة يهدف إلى تحويلها من منظمة فنية إلى "هيكلية ادعاء عام"، ما يهدد بتقويض نظام عدم الانتشار ذاته. ودعا رئيس البعثة الروسية غيورغي كالامانوف، المشاركين في المؤتمر، إلى "التفكير في عواقب هذه الإجراءات"، متسائلاً: "هل سيترتب على ذلك خلل في عمل أنظمة عدم الانتشار العالمية أو إلغاء للنظام الأمني الدولي بأكمله؟".
كما نقلت وسائل إعلام روسية عن المندوب الروسي لدى منظمة حظر الأسلحة ألكسندر شولغين، قوله أول من أمس إن منح المنظمة صلاحية تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية يعد انتهاكاً لصلاحيات مجلس الأمن.
وتصاعد الحديث عن خطر استخدام الأسلحة الكيميائية عقب تكرار استخدامها خلال السنوات الأخيرة في سورية والعراق، ما أدى إلى وقوع مجازر بحق مدنيين، إضافة إلى استخدامه فيها عمليات اغتيال فردية كعملية اغتيال الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي باستخدام غاز أعصاب نادر في مطار كوالالمبور اتهمت بيونغ يانغ بتنفيذه، والهجوم بغاز للأعصاب استهدف العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته في مدينة سالزبري اتهم الغرب روسيا بتدبيره. وبدا واضحاً عجز مجلس الأمن عن تحديد المسؤولين ومعاقبتهم عن هذه الجرائم بسبب الفيتو الذي لم تتأخر روسيا عن استخدامه بوجه أي تقرير قد يتهم أو يدين حلفاءها سياسياً، خصوصاً النظام السوري.
وكانت موسكو استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي أواخر العام الماضي، لإنهاء مهمة لجنة سابقة مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تهدف إلى تحديد الجهات المسؤولة عن الهجمات في سورية. وقبل انتهاء تفويضها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، توصلت اللجنة المعروفة باسم "آلية التحقيق المشتركة" إلى أن النظام السوري استخدم غاز الكلور أو السارين أربع مرات على الأقل ضد المدنيين في سورية. واستخدم تنظيم "داعش" غاز الخردل في 2015.
وكان المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أحمد أوزومجو، قال في وقت سابق، إنه "بإمكان مؤتمر الدول الأطراف تبني قرار لمنح تفويض للأمانة العامة لوضع بعض الترتيبات لتحميل المسؤولية، وهو أمر بإمكان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية القيام به من الناحية التقنية". واعتبر أنه من الخطر عدم التحرك، مؤكداً أنه "لا يمكن السماح باستمرار ثقافة الإفلات من العقاب في ما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية".
من جهته، قال مسؤول العلاقة الخارجية في مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، نضال شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد" إنه "منذ نحو 5 سنوات نعاني من اعتراضات الروس، على عمل لجنة تقصي الحقائق، إذ حاولوا مراراً وتكراراً الطعن في تقارير اللجنة، التي أكدت استخدام الغازات السامة كأسلحة كيميائية، وتحدثت أخيراً عن السارين وغاز الكلور، وهذا الاعتراض نعتبره أمرا طبيعيا بالنسبة لنا جرّاء تكراره، إذ لم يسبق لهم أو للنظام القبول بأي تقرير، بالرغم من أن اللجنة يتغير أعضاؤها بشكل سنوي، ويتم ضم خبراء جدد من دول عدة، وهذه هي الآلية المعتمدة لدى المنظمة حتى تتجنب تسييس عمل اللجان أو الطعن بها".
وأضاف شيخاني أنه "بمجرد مراجعة التقارير الصادرة خلال الفترة الماضية، يتبين كيف أن اللجنة استعرضت كل الأدلة والوثائق والمعلومات التي حصلت عليها من شهود ومصابين، وأن هناك أدلة دامغة على استخدام الأسلحة الكيميائية، واعتراض الروس واضح بعدد الفيتو المستخدم من قبلهم". وبرأيه، فإنه بعد الإطاحة بآلية التحقيق المشتركة جراء فيتو روسي لعدم موافقة الروس على التقرير الصادر عن اللجنة بإدانة النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية، فإن الفيتو الروسي سيستمر وآلية التحقيق الحالية لن تفضي إلى نتائج.
ولفت مسؤول العلاقات الخارجية في مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية إلى أن "روسيا هي الدولة الوحيدة، إلى جانب النظام وإيران، التي تطعن في التقارير من أصل 192 دولة، هي أعضاء في المنظمة، ما يشير إلى أن هذا الطعن هو طعن سياسي فقط لحماية النظام من المحاسبة والمحاكمة". وأشار إلى أنه "كان يوجد أخيراً مقترح فرنسي لتوسيع صلاحيات المنظمة للعمل على تجريم مستخدم السلاح الكيميائي، إلى جانب مهمتها تحديد استخدام هذه الأسلحة أو عدم استخدامها، بعد أن أوقف الروس عمل لجنة التحقيق المكلفة بتحديد مستخدِم السلاح".
وأوضح شيخاني أن "المنظمة مكونة من عضوية 192 دولة، وعملها تقني بحت، معنية بتشكيل فريق تقصي الحقائق مكون من خبراء دوليين مختصين، بينهم من هو مختص بالذخائر ومنهم طبي ومنهم جغرافي وكل الاختصاصات التي يتم احتياجها للتحقيق باستخدام هذه الأسلحة. وكانت المنظمة كلفت لتشكيل فرق خاصة بسورية بقرار من مجلس الأمن منذ عام 2013 إلى اليوم، وينتهي دورها عبر إصدار تقريرها إلى المجلس التنفيذي والدول الأعضاء ومن ثم إلى مجلس الأمن لمناقشته واتخاذ قرار بالمحاسبة".
وبيّن شيخاني أن "المنظمة اليوم ليست لديها الصلاحية لإحالة هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية إلا عبر قرار استثنائي من مجلس الأمن، خصوصاً في القضية السورية لأن سورية ليست عضواً في المحكمة، وقد تحصل المنظمة على هذه الصلاحية إن تم توسيع صلاحياتها ومنحها حق تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة وتوجيه الاتهام إليهم".
وذكر أن "المنظمة بحاجة من أجل اعتماد المشروع البريطاني إلى موافقة الأعضاء الأساسيين فيها وعددهم 48 دولة، وإن لم يكن هناك إجماع فتكفي موافقة 28 دولة، لاعتماد المقترح ضمن الاتفاقية، إذ تمكن إدانة الدول الأعضاء في حال خرق الاتفاقية، وهنا أرى أن إدانة المنظمة بطبيعتها التقنية العلمية الحيادية ستكون أقوى من قرار مجلس الأمن المسيّس، وقد تحرج مجلس الأمن أيضاً".
ووفقاً لشيخاني فإن "التقارير الخاصة باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية خصوصاً، والذي شمل 52 منطقة، أدت إلى ارتفاع أصوات كثيرة داخل المنظمة لصون الاتفاقية ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وهذا يحرج المنظمة مع الدول الأعضاء في ظل عجزها عن المحاسبة، ما قد يسمح ويشجع دولاً أخرى على استخدام الأسلحة الكيميائية دون احترام الاتفاقية الدولية، ولهذا تسعى إلى الحصول على صلاحيات لا تقف عند مجلس الأمن، الذي تعرضت لجنة تقصي الحقائق فيه للطعن ثلاث مرات، آخرها الفيتو الروسي الذي أسقطها".
ورأى أن الروس "يعلمون أن المنظمة إذا امتلكت الصلاحيات بتحديد الجاني والقدرة على التفتيش والإدانة، يصبح عملها مباشرا مع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي لن تعود هناك حاجة للعودة لمجلس الأمن حيث يمكن لهم استخدام الفيتو لتعطيل المحاسبة". وأضاف: "لذلك فإن هذا الأمر مخيف بالنسبة لهم، فاللجوء إلى الجمعية العامة قد يتيح لها الحصول على قرار استثنائي وتحويل الجناة للمحكمة الجنائية الدولية".
وأعرب شيخاني عن أمله في أن تأخذ المنظمة الصلاحيات الكاملة بتحديد المسؤولية، لأن هذا يضمن المساءلة والمحاسبة من الفرق التقنية التي لا تتأثر بالجوانب السياسية، خصوصاً أن المنظمة لديها العديد من التقارير المدعومة بأدلة دامغة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية على مدار خمس سنوات، ونحن بحاجة اليوم لإيجاد سبيل لردع المستخدمين وإفهامهم أنها محظورة، وأنه لا مفرّ من المحاسبة. وهذا ما يتمناه السوريون وضحايا تلك الهجمات وذويهم".