بدأت دول الاتحاد الأوروبي مناقشة حزمة من العقوبات بحق السلطة الحاكمة في بيلاروسيا، بعد إعلان فوز رئيسها ألكسندر لوكاشينكو يوم الأحد الماضي بنسبة 80 في المائة. ورافقت نتائج فوز الرئيس، الممسك بالسلطة منذ 26 عاما، موجة احتجاجات شعبية وقمع أمني طاول الآلاف من مؤيدي المعارضة، الذين رفضوا الاعتراف بالنتائج.
ويسمي الأوروبيون لوكاشينكو بـ"ديكتاتور أوروبا الأخير". وتناقلت وسائل الإعلام الأوروبية عمليات وصور القمع واعتقال نحو 6 آلاف محتج منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أقل من أسبوع. ومنح لوكاشينكو الشرطة ورجال أمن صلاحيات باستخدام كل وسائل القمع، بما فيها الضرب المبرح بالهراوات وإطلاق النار على المتظاهرين، حيث فقد أحدهم حياته يوم الثلاثاء الماضي في إحدى ساحات العاصمة مينسك.
وعن الموقف الأوروبي المتجه لفرض عقوبات، رغم إعلان مينسك إطلاق سراح محتجين، يذكر وزير خارجية الدنمارك، ييبا كوفود، أن "الهجمات العنيفة على المتظاهرين والصحافيين غير مقبولة البتة، وهي ممارسات بمثابة عار على خريطة أوروبا، ولهذا السبب يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على المسؤولين في بيلاروسيا الذين يقفون خلف عمليات القمع الشديدة". وأكد كوفود أن "وزراء خارجية الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي اتفقوا أمس على حزمة عقوبات ستطاول قائمة من الأشخاص البيلاروسيين، حيث ستعرض على رؤساء وقادة الدول لتبنيها سريعا".
وكانت الصحافة الأوروبية الشمالية صبت غضبها على لوكاشينكو وأركان حكمه بعد مشاهد القمع التي تسربت خلال الأيام الماضية، وشككت تلك الصحافة بنتائج انتخابات الأحد الماضي، وأبرزت مواقف المعارضة التي اتهمت السلطة في مينسك بتزوير نتائجها.
واضطرت زعيمة المعارضة سفيتلانا تيكانوفسكايا (37 عاما)، التي نافست لوكاشينكو وحصلت على نحو 10 في المائة، وفقا للنتائج الرسمية، للهرب إلى ليتوانيا (من دول البلطيق) خوفا من مصير الاعتقال كزوجها المعارض والمعتقل في سجون لوكاشينكو.
ويذكر وزير الخارجية الدنماركي أن الوضع الحالي في بيلاروسيا "ناجم عن انتخابات غير حرة وغير نزيهة، ويمد الشارع البيلاروسي يده نحو جيرانه الأوروبيين، وهو ما يجعلنا نتحرك ولا نقف متفرجين".
تحركات الشارع البيلاروسي الأخيرة "التحدي الأخطر" الذي يواجه سلطة الرئيس لوكاشينكو
ورأت معظم وسائل الإعلام الأوروبية أن تحركات الشارع البيلاروسي الأخيرة "التحدي الأخطر" الذي يواجه سلطة الرئيس لوكاشينكو، المقرب من موسكو.
ويتهم لوكاشينكو المحتجين، وأغلبهم من فئات الشباب، بالعمالة للدول الأجنبية. ووجهت زعيمة المعارضة سفيتلانا تيكانوفسكايا، من منفاها الليتواني، مساء الجمعة، نداء لشعبها لمزيد من الاحتجاجات السلمية خلال اليوم السبت وغدا الأحد، مؤكدة أن شعب بيلاروسيا قام الآن بما اعتبر مستحيلا قبل 6 أشهر "فلم يكن أحد يعتقد أننا كشعب يمكن أن نقف معا ضد السلطة القديمة".
وعلى وقع نقاشات دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة، ذهبت سلطات مينسك أمس لإطلاق نحو ألف موقوف من بين نحو 6 آلاف، بحسب أرقام المعارضة، وذلك بغية التخفيف من الضغوط الأوروبية، وهو على ما يبدو لم ينفع كثيرا بعد لقاءات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مساء أمس الجمعة، وإقرار حزمة عقوبات جديدة ستعلن قريبا. ونقلت وسائل محلية وأوروبية شهادات بعض من أطلق سراحهم "حيث يعاني أغلبهم الصدمات من الضرب والعنف الذي تعرضوا له"، وفقا على الأقل ما نقلته التلفزة الدنماركية، التي تغطي بشكل مكثف ما يجري في مينسك، وخصوصا بعد الاعتداء على أحد الصحافيين الدنماركيين، أسكار لادافود، من صحيفة "بيرلنغسكا".
وجدير بالذكر أن الرئيس لوكاشينكو ممسك بالحكم في بيلاروسيا منذ 1994، ودائما ما كان يعلن فوزه في الانتخابات الـ6 الأخيرة بنسبة تتراوح بين 75 و85 في المائة. وأجرى لوكاشينكو في 2004 استفتاء شعبيا لمنحه حق البقاء في السلطة (على طريقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) لفترات غير محددة، وليس لفترتين كما كانت القوانين السابقة، ما سمح له بالبقاء لـ26 سنة في السلطة.
ويتوقع خبراء ومراقبون للشأن البيلاروسي في أوروبا أن تجد مينسك نفسها تحت مزيد الضغوط. ومع ازدياد البطش تتزايد نقمة حتى من كان يؤيد لوكاشينكو الذي تتوقع الصحافة الأوروبية أن يواجه ثورة شعبية كبيرة تضطره للتراجع، رغم ظهوره متماسكا خلف قوة عسكرية وأمنية مؤيدة له.