توجان البخيتي وضريبة الاختلاف

23 ديسمبر 2019
+ الخط -
ظلم وتجنٍّ كبيران تعرّضت لهما توجان البخيتي، الفتاة الذكية الحرّة، ذات الوعي المتقدّم التي لم تكمل عامها السابع عشر بعد. ابنة الكاتب السياسي اليمني المعارض، علي البخيتي، المقيم في لندن، وقد اختار عمّان مستقرا لعائلته لما تتمتع به المدينة من سمعةٍ حسنة، عاصمة عربية عصرية آمنة. توجان مثل كل فتاةٍ، توجان معجبة بأبيها، تتبنّى أفكاره المثيرة للجدل، وتحرص على إعادة نشر كتاباته على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتمارس في ذلك حقّها الشخصي في التعبير عن قناعاتها ورؤاها ومواقفها المتأثرة بأفكار والدها، حق مشروع تضمنُه القوانين والدساتير والمواثيق الدولية.
توجان فتاة متميّزة ذات روح متمرّدة، وهي طالبة في مدرسة خاصة في العاصمة الأردنية. قالت إنها تعرّضت للتنمر من إدارة المدرسة على إثر نشاطها الافتراضي، ومنعت في مرحلة من الدخول إلى الفصل الدراسي، وصل إلى حد التهديد بالفصل النهائي من مدرستها. وأفادت بأن الإدارة احتجزتها في إحدى الغرف ربع ساعة، قبل مثولها أمام مديرة المدرسة بحضور خالها، حيث تم تخييرها بين التوقف عن النشر في صفحاتها على مواقع التواصل والطرد من المدرسة. وفي بيانٍ وصفه كثيرون بأنه عرفي، لا يخلو من لغة متطرّفة ولهجة اتهامية، صدر عن إدارة المدرسة، يصنف منشورات الطالبة بالأفكار المسمومة التي تؤثر سلبا على الطالبات. ورأته توجان وعائلتها أنه ينتهك حقها في التعبير، لما ينطوي عليه من لهجة تحريضية، وتصفه في حوار تلفزيوني بأنه مليءٌ بالمغالطات، كما أنه يسيء إلى سمعتها، وهي الطالبة المجتهدة الذكية ذات الشخصية القوية، ويؤثر على مستقبلها الدراسي، وعلى علاقاتها بزميلات الدراسة.
قصة مخجلةٌ، تستدعي استدراكا رسميا عاجلا، يصوّب الأمر ويمنع إدارة المدرسة من ممارسة دور محكمة تفتيش مظلمة تلاحق الناس، وتهدّد حرياتهم، وتعتدي على حقوقهم، وتكسر نفوسهم وترميهم بأقذع الصفات من فسق وكذب، لمجرّد أن مدير المدرسة لا يوافق على تلك الأفكار التي (قد) تنطوي، بحسب البيان، على خطر على عقول بقية الطالبات!
أثارت قضية توجان تفاعلا كبيرا وتضامنا واسعا على مواقع التواصل، وحظيت بدعم ومساندة حقوقيين ونشطاء، لا سيما أن الفتاة قاصر. ولو افترضنا جدلا أنها ارتكبت مخالفةً ما، فثمّة إجراءات قانونية خاصة، تتخذ في حالاتٍ كهذه، هدفها حماية السلامة النفسية للقاصر، كما تحرص على خصوصيتها. وفي بث مباشرعلى قناة يوتيوب، قالت توجان، بلهجة مؤدّبةٍ، وبلغةٍ تنم عن ثقافة عالية، ووعي كبير، وقدرة استثنائية على التعبير عن نفسها بشجاعة ووضوح، إنه لا يحق لأحد أن يحدّد أطرها الفكرية. ونفت بشدةٍ تهما وصفتها بالباطلة ببثّ أفكار مسمومة، بحسب بيان المدرسة. ولم تتفوّه، خلال البث، بأي إساءة إلى معلميها، بل عبرت عن تقدير واحترام لشخوصهم، وقالت إنهم استقبلوها بعد الحادثة باحترام ومحبة، وأعلموها بأن الإدارة رفعت تقريرها الذي لم تطلع على حيثياته إلى وزارة التربية والتعليم التي لها وحدها صلاحية اتخاذ القرار، بشأن الخلاف القائم. ولم تخف الفتاه تخوفها من صدور قرار يؤيّد توجّه إدارة المدرسة.
في رأس هذه الصبيّة الشجاعة المستقلة أسئلة كثيرة مشروعة، وحيرة تجاه حقائق الكون، وتصر على حقها في الاختلاف والتأمل، وترفض بكل قوة ثقافة القطيع، وتقاوم مصادرة حقها في التعبير، وتؤكّد أن الاختلاف هو مصدر للإبداع. وسواء راقت لنا أفكارها أم خالفت قناعاتنا، فإننا لن نملك سوى احترام توجان نموذجا مشرقا مغايرا لجيلٍ صاعد، ننظر إليه بعين مرتابة، وبكثير من الاستخفاف في العادة، غافلين عن قدراته الكامنة على قلب المعادلة وتسلم زمام المبادرة باتجاه غد عربي، متخفّفٍ من أسباب القمع والاضطهاد.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.