توثيق مجموعة الكلشني الأثرية... إنقاذ من براثن الإهمال

05 مايو 2018
المبنى يعاني من الإهمال (فيسبوك)
+ الخط -

كان المعنيون بالآثار الإسلامية ينقمون على الحكومة المصرية لإهمالها تكيةَ الكلشني أو الجلشني، الواقعة في شارع تحت الربع بالقرب من باب زويلة بحي الدرب الأحمر. فأسوار المبنى التاريخي الذي تحوّل إلى خرابة تكشف عن عمارة رائعة الجلال والجمال، على الرغم مما ألمّ بها من تعديات تشهد على لامبالاة بقيمة الآثار الإسلامية العريقة.

يقول عمر الرزاز، وهو من عشاق تصوير الآثار المصرية: "الكلشني هو الشيخ الزاهد إبراهيم الكلشني، أحد كبار شيوخ الصوفية، قدم إلى مصر من آسيا الوسطى (أذربيجان) سنة 1485م، وأقام في زاوية صغيرة في هذا المكان، وكان عالماً متواضعاً محبوباً، فجذب إلى زاويته العديد من العامة والمتصوّفين، وسرعان ما تحولت الزاوية الصغيرة إلى مسجد كبير ألحقت به تكية لإطعام المتصوفة والفقراء وسبيل لسقاية المارة وقبة ضريحية دفن تحتها الشيخ. الآن المبنى في حالة سيئة جداً وينذر بالانهيار في أي وقت".

ويبدو أن الأصوات المنادية بإنقاذ المبنى قد وجدت أخيراً صدىً لنداءاتها المتكررة، إذ بدأ الصندوق الدولي للآثار، بمنحة من صندوق السفراء الأميركي للحفاظ على التراث الثقافي، وبالتعاون مع وزارة الآثار، في تنفيذ برنامج التوثيق الأثري لمجمع تكية وقبة إبراهيم الكَلشني، وذلك وفقاً للمعايير الدولية العالية، وإعداده كنموذج يحتذى به في مشاريع أخرى في مصر.

فقد صرّح محمد عبد العزيز، المشرف العام على مشروع تطوير القاهرة التاريخية، بأن فريق العمل سيقوم بإجراء مسح شامل للموقع بالصور الفوتوغرافية ووضعه في قاعدة بيانات رقمية، واستكمال الرسومات الهندسية وتوثيقها بواسطة برنامج الأوتوكاد؛ على أن يستمر الجدول الزمني لهذا المشروع حتى سبتمبر/ أيلول 2018م.

وتشهد كتب التاريخ على أهمية هذا المكان الذي يعدّ أول مؤسسة إسلامية بعد دخول العثمانيين إلى مصر، وقد ذكره الجبرتي في تاريخه، في أكثر من مناسبة، إذ كانت تنطلق منه العديد من المناسبات الدينية. أما علي باشا مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية"، فقد وصف التكية بقوله: "الواجهة الرئيسية للتكية يُصعد إليها بـ 9 درجات حجرية تؤدي إلى صحن مستطيل. وتقع حجرة الضريح على يمين هذا الصحن. والواجهة الرئيسية للقبة بلاطات متنوعة الأحجام والألوان منها زخارف على شكل زهور القرنفل باللون الأزرق على أرضية بيضاء. وتوجد في رقبة القبة الأسطوانية الشكل 16 نافذة يليها شريط كتابي بخط النسخ فيه العديد من الآيات القرآنية. وتحتوي حجرة الضريح على محراب له طاقية مزخرفة بزخارف نباتية. وقد دفن بحجرة الضريح كل من السيدة زليخا الكلشنية خليل آخر ذرية أبناء الشيخ إبراهيم الجلشني صاحب الأثر... وتظهر العمارة العثمانية للقبة والتكية والسبيل في الشبابيك ذات المصبعات المعدنية التي تعلوها عتب كالتي كانت تنتشر بأسوار التكية ولكنها اندثرت بفعل عوامل الزمن".

وقد استمر تقديس العوام لهذا المكان ومقتنياته زمناً طويلاً، حتى عصر الشيخ محمد رشيد رضا الذي قال في مجلة المنار عن اهتمام أهل عصره بالتكبة وبنعل الكلشني الموجود فيها: "إن في مقام الشيخ الكلشني المشهور بالولاية نعلاً عتيقة منسوبة لهذا الشيخ، يعتقد عوام المصريين أن فيها سرّاً عجيباً، وهي أن نقاعتها تطفئ نار العشق، وتُبَرِّد حرارة الغرام، وأنها على العاشقين برد وسلام، وأن لها فوائد أخرى، وهي دائماً منقوعة في الماء، فيأتي النساء والرجال ويشربون من مائها للتبرك به، ومن كانت تتهم زوجها أو غير زوجها ممن يهمها شأنهم بالعشق تسقيه شيئاً من هذا الماء، ولو بحيلة لا يشعر بها، كأن تجعل الماء الذي تجتلبه من نقاعة النعل في سقائه أو تمزجه بشرابه".

دلالات
المساهمون