تهويد يافا... مشاريع سكنية تطمس الهوية الفلسطينية

10 مارس 2017
هذه مدينتنا (جاك غيز/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال أشهر، بحجّة البناء والتوسّع، سوف يغيّر مشروع ضخم معالم يافا ويطمس هويّة بعض البيوت الفلسطينيّة القديمة ويهدم بعضاً آخر منها.

بعد أكثر من سبع سنوات على التخطيط لمشروع سكني ضخم في المنطقة الشرقيّة من مدينة يافا الفلسطينيّة المحتلة في عام 1948، أعلنت بلدية تل أبيب - يافا عن بدء تنفيذ ذلك المشروع السكني الذي يضمّ كذلك مساحات تجاريّة، بالإضافة إلى توسيع البنى التحتيّة للحيّ الجديد والطرقات المؤدية إلى العمارات المتوقع أن تضمّ ألفاً و450 وحدة سكنيّة. يُذكر أنّ 125 وحدة من بين تلك الوحدات هي للسكن الخاص، أي أنّها سوف تُباع أو تؤجّر لشريحة اجتماعيّة ضعيفة اقتصادياً، وذلك بعد ضغوطات كثرت على متخّذي القرارات في البلديّة ومديريّة أراضي إسرائيل التي تخطّط هي الأخرى مشاريع سكن في الآونة الأخيرة في مناطق مختلفة في يافا.

وتلك الضغوطات أتى بها ناشطون من يافا اشترطوا قبول المقترح لقاء إعطاء حصّة معيّنة للعائلات غير المقتدرة والتي هي في حاجة أمسّ من غيرها إلى مساكن لائقة. فأزمة السكن في يافا خانقة، وتتفاقم سنة تلو الأخرى، إذ إنّ المدينة تُعَدّ جوهرة عقاريّة تجذب طبقة الأغنياء من اليهود من كلّ أرجاء البلاد ومن خارجها كذلك. يهود فرنسا على سبيل المثال، يستثمرون في العقارات منذ بضع سنوات، من دون قيود. فيأتي ذلك في إطار ترسيخ التهويد في المدينة المختلطة التي تجذب سنوياً مئات المستثمرين والمعنيين في قطاع الإسكان.

تكمن جاذبية المدينة في جمالها وسحرها ورونقها المختلف عن المدن الأخرى المكتظّة والحديثة. يُذكر أنّه قبل ثماني سنوات، وفد إليها مستوطنون يهود من منطقة الخليل وقطاع غزة بهدف التشديد على طابعها اليهوديّ وترسيخ تهويدها وإبقاء الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة فيها معلّقة بالخدمات الإسرائيليّة المختلفة، من قبيل ما تقدّمه بلديّة تل أبيب وشركة "عميدار" للإسكان ومؤسسة التأمين الوطني. فتلك توهم العرب الفلسطينيين بأنّهم يحصلون على حقوق اجتماعيّة متساوية مع حقوق اليهود، على الرغم من عدم صحّة الأمر على أرض الواقع. الفلسطيني يبقى خارج الحيّز العام ودائرة متّخذي القرارات في البلديّة والمؤسسات الأخرى، إذ يُعَدّ رقماً لا غير.

يُهدّ قريباً (العربي الجديد)


واليوم، يتخوّف أهالي يافا الفلسطينيون من عدم طرح أسعار للشقق العادية تتناسب ووضعهم الاقتصاديّ. من الممكن أن تأتي أسعار تلك الشقق مشابهة لأسعار السوق الحاليّة والباهظة، الأمر الذي يمنعهم من شرائها. كذلك يتخوّف هؤلاء من عدم حصولهم على شقق للسكن الخاص يُفترض أن تأتي لصالح الشرائح المتواضعة اقتصادياً، بغض النظر عن القوميّة. فثمّة عائلات يهوديّة "تتنافس" على هذه المساكن بحجّة أوضاعها الاقتصاديّة. في هذا السياق، تدّعي بلديّة تل أبيب - يافا أنّها لا تميّز بين العائلات العربيّة وتلك اليهوديّة في هذا المجال، فتتعامل بالتالي مع كل العائلات على أساس أنّها متساوية في الحقوق. لكنّها في الواقع، لا تهتم كثيراً لأزمة سكن الفلسطينيين من أهالي يافا، إذ إنّ الأولويّة بالنسبة إليها هي في زيادة أرباحها من جباية ضريبة "أرنونا" المحلية التي تُفرض على البيوت والعقارات المشيّدة حديثاً.

من هنا، يبدو تخوّف أهالي يافا الفلسطينيين واقعياً، خصوصاً عند البدء بتنفيذ المشروع. يُذكر أنّ البلديّة لم تَعد العرب الفلسطينيين رسمياً بتخصيص شقق سكنيّة لهم، في حين امتلأت المدينة بالمشاريع السكنيّة التي تناسب فقط الأغنياء الذين يمثّلون الأغلبيّة الساحقة من اليهود. هؤلاء يسيطرون على سوق العقارات من خلال شركات سمسرة تنتشر في المدينة منذ بضع سنوات، بهدف الترويج للعقارات وبيعها فقط لتلك الشريحة. فتكون سيطرتها محسومة على مشاريع ضخمة من قبيل مشروع "أندروميدا" الملاصق لـكنيسة القديس جوارجيوس للروم الأرثوذكس في المدينة، ومشروع "سوق الجبليّة" الذي يُنفّذ قريباً لصالح المستوطنين اليهود الذين حصلوا على الحق في البناء قبل بضع سنوات، ومشروع "كاسيوبيا" الواقع بالقرب من سوق العتق. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا السوق يشهد كذلك تجديداً معماريّاً مشابهاً للمشاريع المذكورة التي تشدّد على ترسيخ تهويد المدينة التي كانت قبل أقلّ من سبعين عاماً مدينة ذات طابع عربي. وبحسب ما يأتي في الإعلان الذي عُلّق في المنطقة الشرقيّة، ثمّة إمكانيّة للاعتراض عليها لغاية الثاني عشر من الشهر الجاري، الموافق بعد غد الأحد. لكنّ هذا المشروع يبدو أنّه سوف يسير من دون معارضة، لأنّ الحيّ حالياً شبه فارغ، إذ تسكن بضع عائلات عربيّة فقط في أربعة شوارع تقع في إطار المشروع، فيما تنتشر في المنطقة ورش مختلفة.

ما زال شاهداً حياً وإن تهالك (العربي الجديد)


تجدر الإشارة إلى أنّه في حال عدم المعارضة، سوف يبدأ تنفيذ المشروع، وكلّ من ليس له ملك في الحيّ يفقد الحقّ في التعويض، وفقاً للقوانين المعمول بها في معظم الدول. أمّا من يمتلك ورشة أو منزلا في الحيّ، فسوف يُعوّض عليه وفقاً للقانون المحلّي. فيتمكّن صاحب الملك بالتالي من الحصول على تعويض ماليّ أو على وحدة سكنيّة بالشروط المتفق عليها مع البلديّة. على أرض الواقع، معدودة هي العائلات العربيّة التي تمتلك أراضي أو بيوتا، لأنّ معظمها صودرت بعد نكبة 1948. فقلّة قليلة استطاعت أن "تشتري" من الدولة العبريّة الممثّلة بمؤسساتها المختلفة كشركة "عميدار" ومديريّة أراضي إسرائيل والبلديّة.

كريم من سكّان يافا، متزوّج وأب لولدَين، يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "أزمة السكن المتواصلة خلال السنوات الأخيرة جعلت الأزواج الشباب يتركون مدينة يافا ويتوجّهون نحو مدينة الرملة ومدينة اللدّ ومنطقة المثلث الجنوبي، من قبيل مدينتَي الطيبة والطيرة وغيرهما. وذلك بسبب الأسعار الأرخص في تلك المدن بالمقارنة مع أسعار المساكن في يافا". يضيف أنّ "بدلات إيجارات البيوت والشقق أصبحت أعلى من الماضي، الأمر الذي يضيّق على سكّان يافا العرب متوسّطي الحال، فيلجؤون إلى مدن عقاراتها أرخص ثمناً". ويشير كريم إلى أنّه مذ تزوّج، يسكن في شقة مستأجرة، "فأنا لم أتمكّن من شراء بيت أو شقة حتى يومنا هذا. وطالما بقيت الأوضاع الاقتصاديّة كما هي، فسوف أبقى في الشقة المستأجرة".

نحو عشرين ألفاً فقط

قبل النكبة، كان عدد سكّان يافا العرب يقارب مائة وعشرين ألف نسمة، ويشمل ذلك سكّان القرى الخمس والعشرين المحيطة بالمدينة الرئيسيّة. أمّا بعدها، فلم يتبقَّ إلا نحو أربعة آلاف تركّزوا في حيّ العجمي المشهور. واليوم، هم نحو عشرين ألفاً يتوزّعون في أحيائها، وأبرزها العجمي والجبليّة والنزهة.