كما تكثر الجهات المشرفة على مدارس القدس المحتلة، تكثر، أيضاً، الكتب المدرسية بين أيادي التلاميذ المقدسيين الذين يشكلون هدفاً للاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى إلى التأثير على وعيهم الوطني، من خلال فرض مناهج لا تمت بصلة إلى تاريخهم، فيما يحاول واضعو المناهج الإسرائيلية نشر رواية الاحتلال عن اغتصاب فلسطين وتزوير تاريخها، ليبدأ من نشوء دولة الاحتلال.
في هذا السياق، يشرح مدير التربية والتعليم في القدس، سمير جبريل، أنه تشرف على التعليم في المدينة المقدسة أربع جهات، وهي الأوقاف الإسلامية التابعة للسلطة الفلسطينية، والمعارف الإسرائيلية التابعة لبلدية الاحتلال، والقطاع الخاص، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الدولية، بالإضافة إلى مجموعة من المستثمرين الذين فتحوا مدارس بدعم مالي من بلدية الاحتلال، ويصل عددها اليوم إلى 8 مدارس، وتعرف بسخنين. ويرى أنه لكثرة الجهات المشرفة آثار سلبية على التعليم وتطوره في المدينة المقدسة.
نشأت مدارس الأوقاف (عرفت سابقاً باسم مدارس حسني الأشهب) بعد عام النكبة (1967)، وتعد امتداداً لمديرية التربية والتعليم في القدس في العهد الأردني، رداً على استيلاء الاحتلال على مدارس القدس، ومحاولته فرض المنهاج الإسرائيلي عليها. وكانت عبارة عن بيوت سكنية غير مؤهلة، وقد استقطبت أعداداً كبيرة من التلاميذ بسبب رفض المجتمع المقدسي المنهاج الإسرائيلي.
أما مدارس المعارف التابعة لبلدية الاحتلال، وعددها 71 مدرسة، فقد سيطر الاحتلال على الجزء الأكبر منها في بداية عام 1967، علماً أنها كانت قائمة خلال الحكم الأردني. وحاولت إسرائيل فرض منهاجها، إلا أنها فشلت بسبب رفض الأهالي والمدرسين والتلاميذ.
وتتمثل الجهة الثالثة في إدارات المدارس الخاصة في القدس، التي كان لها وما زال دور وطني من خلال رفض المنهاج الإسرائيلي بعد عام 1967، وقد استمرت في تدريس المنهاج الأردني المعدل، فزاد الإقبال عليها واستقطبت آلاف التلاميذ. وتصل نسبة التلاميذ الذين يتلقون تعليمهم في المدارس الخاصة إلى نحو ثلاثين في المائة من مجموع تلاميذ القدس، في حين تشرف الأونروا على ثماني مدارس.
الجديد اليوم، ومع بداية العام الدراسي، يتمثل في الكتب التي وجدها التلاميذ المقدسيون بين أياديهم. تقول مسؤولة العلاقات العامة والدولية والإعلام التربوي في مدارس الأوقاف الإسلامية سوسن الصفدي، إن بين أيادي التلاميذ في القدس ثلاثة مناهج. الأول هو المنهاج الفلسطيني الأصيل الذي يدرس في جميع المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية، والعديد من مدارس القدس، وبعض مدارس المعارف التابعة لبلدية الاحتلال، علماً أنه يوزع مجاناً من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
أما الثاني، فقد عمد الاحتلال إلى العبث به مستبدلاً معلومات بأخرى. على سبيل المثال، حذف النشيد الوطني الفلسطيني، وبعض المفردات مثل الانتفاضة والجهاد وأبو عمار، وعبارة مثل "خرجت وفاء من السجن". وتركز الحذف والاستبدال على كتابي اللغة العربية والتاريخ، وقد وزع على معظم مدارس المعارف التابعة للبلدية. وكانت بلدية الاحتلال قد حاولت فرض هذا المنهاج قبل ثلاث سنوات في المدارس الخاصة إلا أنها فشلت. والثالث، وهو باللغة العربية، وأساسه مادتا المدنيات والتاريخ، يدرس في المدارس الإسرائيلية ومدارس الداخل الفلسطيني المحتل، وتعزز مواده الرواية الإسرائيلية ويتضمن النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا"، ويصف مواطني فلسطين الأصليين بأنهم مجموعات عرقية إثنية من الدروز والعرب والمسلمين والمسيحيين، ولا يعترف بأنهم أصحاب الوطن الأصلي.
وترى الصفدي أن الخطر الأكبر سيكون على تلاميذ المرحلة الأساسية، وخصوصاً تلاميذ الصف الثالث والرابع والخامس، علماً أن بعض المدارس الخاصة انضمت، العام الماضي، إلى تطبيق المنهاج الذي فرضته بلدية الاحتلال.
اقرأ أيضاً: ديمة السمان: لمواجهة تهويد التعليم في القدس
إلى ذلك، يعترف مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون ومتابعون لأوضاع التعليم في القدس، أن التعليم في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف بشكل خاص، ومدارس القدس بشكل عام، يعاني من مشاكل عدة، أبرزها الاكتظاظ وقلة عدد الصفوف وعدم توفر المتطلبات الخاصة بالمدارس، وإن كان الخطر الأكبر، هذا العام، يتمثل في الإصرار على فرض المنهاج الإسرائيلي في إطار سياسة منظمة تهدف إلى تهويد المنهاج الفلسطيني وتحريفه.
ويشير رئيس لجنة أولياء الأمور في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال في القدس ووزارة المعارف، زياد الشمالي، إلى أن بلدية الاحتلال فتحت، أخيراً، صفوفاً لتعليم المنهاج الإسرائيلي في المدارس التابعة لها، وخصوصاً في مدرسة في بيت حنينا شمال القدس (من الصف الأول حتى السابع)، بهدف جذب مزيد من التلاميذ.
وفي بلدة شعفاط، بدأت المعارف الإسرائيلية تدريس المنهاج الإسرائيلي في مدرستها التي افتتحتها العام الماضي، وقد أجبرت البلدية الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها بعد إغلاق إحدى المدارس المقدسية. أيضاً، افتتحت قسماً كاملاً لتدريس المنهاج الإسرائيلي في مدرسة ابن خلدون في بيت حنينا وغيرها.
وكان اتحاد أولياء أمور التلاميذ في مدارس القدس طالب وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس بوقف توزيع وتدريس ما حرف وحذف من المنهاج الفلسطيني، ووقف فرض المنهاج الإسرائيلي.
أيضاً، عمدت إسرائيل إلى تحريف وتزوير تاريخ المدينة المقدسة، بحسب مركز "كيوبرس". وقالت إن "مدينة القدس هي أكبر مدينة في إسرائيل لناحية عدد السكان، ويعيش فيها نحو 700 ألف نسمة من اليهود والعرب، وتقع في جبل يهودا. وهي عاصمة دولة إسرائيل، وفيها المؤسسات الهامة التي تدير شؤون الدولة، وهي الكنيست والوزارات والمحكمة العليا وغيرها. واتسعت القدس وتطورت كثيراً منذ قيام دولة إسرائيل، فقد بنيت فيها أحياء جديدة ومراكز الأعمال والتجارة والصناعة والترفيه".
وردت هذه "التحريفات" في درس "القدس عاصمة إسرائيل" في كتاب "الحياة معاً في إسرائيل"، وهو ضمن المنهاج الإسرائيلي، ويتحدث في معظمه عن أحقية اليهود في امتلاك أرض فلسطين لأن التوراة منحهم إياها، ويستدلون على ذلك بروايات تدعي أنهم سكنوها منذ آلاف السنين. ويصف الكتاب الفلسطينيين بأنهم أقليات احتوتهم دولة الاحتلال في "ديمقراطيتها". ويتطرق، أيضاً، إلى الوصايا العشر المذكورة في التوراة، بالإضافة إلى حديثه عن الديانة والتقاليد اليهودية.
اقرأ أيضاً: الاحتلال يواصل أسرلة التعليم في القدس
وبالإضافة إلى المنهاج الإسرائيلي، عمدت وزارة المعارف في بلدية الاحتلال إلى تحريف
المنهاج الفلسطيني الصادر عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، عدا عن سحبه من مدارسها (مدارس البلدية)، وألغت جميع المواد التي تحتويها كتبه المختلفة سواء باللغة العربية أو التربية الإسلامية.
ومما حذف من كتاب اللغة العربية للصف الأول على سبيل المثال، علم فلسطين، بالإضافة إلى أبيات شعر تتحدث عن الشهداء من قصيدة "فجر الحرية". أما في كتاب الصف السادس، فقد عمد الاحتلال إلى حذف قصيدة الانتفاضة وغيرها. وعند المقارنة بين الكتاب الفلسطيني الأصلي والكتاب المحرّف، نلاحظ طمس الهوية الفلسطينية.
هذا الواقع التعليمي لا يقتصر على التدخل الإسرائيلي الفظّ في المنهاج الفلسطيني، بل هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة، وتتمثل في ظاهرة التسرّب من المدارس، وعدم وجود إطار تعليمي لآلاف التلاميذ المقدسيين، ما يدفع هذا العدد الكبير من المتسرّبين إلى الالتحاق بمدارس خاصة تطبق المنهاج الإسرائيلي.
في هذا السياق، يشير تقرير أصدرته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل إلى وجود نقص كبير في الغرف الدراسية، ويقدر بنحو 832 غرفة في المرحلة الابتدائية و723 غرفة في المرحلة الثانوية. كذلك، فإن نسبة التسرّب في القدس مرتفعة جداً، وتصل في الصف التاسع إلى 9%، والعاشر إلى 16%، والحادي عشر إلى 26%، والثاني عشر إلى 33%.
ويقول أحد المسؤولين عن متابعة التعليم في القدس، راسم عبيدات، إنه لو كانت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية معنية بالتلاميذ العرب المقدسيين، لبنت لهم مدارس على أرضهم المصادرة بدلاً من المستوطنات. يضيف أن هناك نقصاً يقدر بنحو ألفي غرفة صفية، عدا عن افتقار 711 غرفة مستأجرة لشروط الصحة والسلامة.
اقرأ أيضاً: الجامعة العربية تحذر من تهويد التعليم الفلسطيني