تهريب البشر... مليشيات تتحكم بالأرواح في ليبيا

30 اغسطس 2017
مهاجرون أفارقة في ليبيا (محمود تركيا/ فرانس برس)
+ الخط -
على طول الحدود الليبيّة جنوباً، وصولاً إلى الساحل شمالاً، تحدث عمليات تهريب البشر بحماية مليشيات في ظلّ الانفلات الأمني والسياسي الكبير. وبحسب إفادات مصادر أمنية ليبية، فإنّ تهريب البشر يتركز في ثلاثة طرقات تعرف بخطوط الهجرة غير الشرعية؛ الأول هو المسلك الشرقي الممتد من الصومال والسودان إلى ليبيا، حيث يبدأ من الكفرة المتاخمة للحدود السودانية، ليتفرع بعدها الى خطين: الأول يصل إلى سبها وسط جنوب البلاد، والثاني إلى منطقة جالو أوجلة الواقعة جنوب أجدابيا الساحلية، أولى مناطق الشرق الليبية لناحية الغرب.

وأحد أكثر خطوط الهجرة نشاطاً هو خط الوسط الممتد من النيجر وتشاد، علماً أن الطرقات متعرجة ووعرة تتخلل سلسلة الجبال الفاصلة بين تشاد وليبيا. وتعد القطرون وتراغن أهم محطتين لتجميع المهاجرين الهاربين عن طريق هذا الخط، وصولاً إلى سبها والشويرف وسط جنوب البلاد، ونسمة ومزدة وبني وليد، ثم إلى نقاط تهريب البشر على الساحل الغربي، وأشهرها زليتن، الخمس، القربولي، صبراتة، صرمان، وزوارة.

أصعب تلك الخطوط وأقلها نشاطاً هو الطريق الممتد من دول وسط أفريقيا عبر الجزائر وصولاً إلى غات ثم إلى تراغن والقطرون، بسبب التشديد الأمني الجزائري على الحدود الليبية.
الرائد سامي العيان، وهو عضو فرع إدارة الهجرة غير الشرعية في سبها التابعة لحكومة الوفاق، يؤكد لـ "العربي الجديد" أن المعلومات حول هذه الخطوط الثلاثة متوفرة وبدقة، وهي ليست مخفية عن الأجهزة الأمنية الليبية. يضيف: "كنا نعمل على رصد عدد المهربين، ونحن على دراية بأسماء المليشيات والمجموعات المسلحة المتورطة في الأنشطة المرتبطة بتهريب الأسلحة والمخدرات". ويشير إلى "تورّط جهات رسمية في الدولة خلال الحكومات الماضية، من خلال غضّها الطرف عن تقاريرنا المتلاحقة خلال عامي 2012 و2013 ومنتصف عام 2014، بالتوازي مع حصول هذه المليشيات على أسلحتها وسياراتها الصحراوية من سلطتي طرابلس وطبرق. كما أنّ مجموعات مسلحة تحمل شعارات جهات أمنية كانت تحمي المهربين وتسهل وصولهم إلى الشمال".

ويتابع أنّ "مناطق القطرون وتراغن من المناطق التي لا يمكن لأي جهاز أمني أن يمنع فيها تجارة البشر، وهي علنية وتحت مرأى ومسمع الجميع". يضيف أن "المليشيات في المنطقتين تحصل على أسلحة من حكومتي طرابلس وطبرق باعتبارها الجهات المسلحة التابعة للحكومتين، في وقت لا تحصل الجهات الأمنية على أية معدات أو آليات". ويسأل: "كيف يمكننا مواجهة هذه المليشيات المسلّحة التي تصلها الأسلحة والسيارات من المجموعات المسلحة المشرعنة من الدولة رسمياً، والتي تتمتع بحمايتها".

إلى ذلك، يكشف الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية للجنوب الليبي، مختار عاشور، عن هوية المليشيات المسلحة العاملة في مجال التهريب. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "غالبيتها تنتمي إلى قبائل التُبو التي لها علاقات مع دول أفريقية في عمق تشاد ونيجيريا، وتملك شبكة معقدة من العاملين في هذا المجال لتأمين وصول الناس من خلال طرقات خاصة، ما يتيح لها التنقل بين ليبيا وهذه الدول". ويوضح أنّها تستخدم شاحنات وسيارات صحراوية، ولا يقتصر عملها على تهريب البشر، إذ إن هناك أسلحة ومخدرات وبحثا عن ذهب في جبال الجنوب". يضيف: "هي مجموعات قوية ومحاربة بالفطرة، ولا يمكن الدخول إلى مناطق نفوذها الممتدة بين هذه الدول وليبيا". ويكشف أنها "تشكل نفوذ حفتر في الجنوب الليبي والذراع العسكرية الأقوى بالنسبة إليه".

ويعدّ التهريب، والذي يشمل تهريب البشر، بحسب عاشور، مصدر تمويل مهما لمليشيات هذه القبائل. يضيف: "لا يمكن ضبط عدد مليشياتها، إذ إنها متداخلة ولديها علاقات مشبوهة مع حركات تمرد في دول أفريقية"، لافتاً إلى "ارتباطها أيضاً بحركة العدل والمساواة السودانية، التي وفرت لها حماية في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، وكانت حلقة الوصل بين العدل والمساواة وبين حفتر". ويعزو الباحث خلو الشرق الليبي من نقاط لتهريب البشر على سواحله، إلى أسباب سياسية يراد من خلالها إبعاد الشبهة عن حلفاء حفتر في الجنوب العاملين في تهريب البشر، وإرسال رسالة إلى الرأي العام أن مؤيدي خصوم حفتر في الغرب الليبي هم المنفذ الوحيد للمهاجرين الذين يهدّدون أمن أوروبا.

وإلى الشمال الليبي، حيث يتركز نشاط تهريب البشر عبر سواحله الغربية، يقول المسؤول في إدارة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، العميد رجب بوخريص، لـ "العربي الجديد"، إن "نشاط الهجرة غير الشرعية كان كبيراً قبل عام في مناطق غرب البلاد. لكن مساعي الجهات الأمنية التابعة لحكومة الوفاق حدّت منه نسبياً الآن". يضيف أن "الانشغال بالحلول السياسية والصراع العسكري أتاح الفرصة لمهربي البشر، لكن هدوء جبهات القتال في مختلف أنحاء البلاد أعطى فرصة كبيرة للاهتمام بمحاربة مهربي البشر مؤخراً".



وعن نقاط التهريب، يقول بوخريص إن زليتن والقربولي في شرق طرابلس، والزاوية وصبراتة وصرمان في غربها، تعدّ الأكثر نشاطاً. ويمكن القول إن هذا النشاط اختفى في زليتن ونسبياً في القربولي، بسبب ملاحقة مهربي البشر ومداهمة مقارهم في هذه المناطق. كما أنّ خفر السواحل شكّل حظراً بحرياً، مع منع إرسال قوارب المهاجرين حتى الآن ولو نسبياً". من جهة أخرى، يشير إلى أن نشاط صبراتة وصرمان ما زال كبيراً، حيث يتمتع المهربون بحماية مليشيات قوية.

يستعدون للرحيل (أندرياس سولارو/ فرانس برس) 


ويتحدث بوخريص عن أبرز هذه المليشيات والسماسرة، وهم:

- مليشيا أحمد الدباشي الشهير بـ "عمو" في صبراتة، وتمتلك مخازن داخل المنطقة حيث يتجمع المهاجرون، ومقرّها "مصيف الوفاق"، الذي تتخذه منطلقاً لقوارب المهاجرين. ولديها شبكة علاقات مع مهربين مصريين وسوريين وعرب آخرين، إضافة إلى تبو الجنوب، أبرزهم علاء السوري الذي يسهل وصول المهاجرين السوريين.

- مليشيا مصعب أبو قرين ومنطقة نفوذها في "دحمان" القريبة من صبراتة على شاطئ البحر. ومن أشهر سماسرة التهريب العاملين معها، أحمد قرنبو، وهو المسؤول عن إرسال القوارب.

- مليشيا محمد البعبيو، وتتخذ من مصيف "تليل السياحي" في صرمان مقرات لها. ترتبط بمجموعات إرهابية تستفيد من تهريب البشر كمصدر لتمويلها. كما أن عبد الحكيم المشوط، صاحب البيت الذي قتل فيه أكثر من 60 داعشياً من خلال قصف أميركي، هو أيضاً من رجالها.

- مليشيا الحسن الدباشي، وهي مجموعة صغيرة تتخذ من مصيف تليل السياحي مقراً لنشاطها، ويقتصر عملها على جلب المهاجرين الأفارقة من دون إرسالهم في القوارب. وتتعامل مع المليشيات الأخرى.

- مليشيا الغرابلي والتي تعرف بـ "الكرو"، وقد تراجع نشاطها مؤخراً.

- مليشيا محمد القصب في نواحي مدينة الزاوية (30 كلم غرب طرابلس)، وترتبط بمليشيات أخرى تمثل لها القوة والحماية في مناطق ورشفانة الواقعة إلى جنوب الزاوية، والمعروفة بمليشيات "السبورتو"، ولها نشاط كبير في الحرابة وتهريب البشر وتجارة السلاح وغيرها من المخالفات.

ويوضح بوخريص أنّ المخازن المخصّصة لتجميع المهاجرين، هي أسواق نخاسة، كما وصفتها الصحافة العالمية. فيها، "يعرض مهربو البشر من الجنوب مئات الأفارقة للبيع إلى مليشيات التهريب على شاطئ البحر"، لافتاً إلى أن أشهر هذه المخازن هي "مخازن أبناء جلول" في صبراتة، ومنزل لشخص يدعى محمد الكار في منطقة تليل. ويوجد مخازن أخرى في مناطق زواغة والقصر والجفارة ومقر الشرعية الصينية في منطقة راس يوسف، وكلها تقع إلى جنوب صبراتة وصرمان.
ويتحدث بوخريض عن "خطط محكمة للأجهزة الأمنية في المنطقة الغربية، بدأ العمل عليها لمحاربة ظاهرة تهريب البشر على مراحل، مع الأخذ في الاعتبار قوة هذه المليشيات وشبكاتها المعقدة المرتبطة بأكثر من طريق واتجاه".

ويكشف بوخريض عن تمكّن قوات وزارة الداخلية في طرابلس من كشف وتفكيك شبكة كانت تعمل على تهريب البشر من جنسيات غير أفريقية. ويقول إن "قوات وزارة الداخلية تمكنت قبل شهرين من قتل وأسر عدد من قادة مليشيا البوني، التي كانت تسيطر على مطار معيتيقة في طرابلس. وكان المسؤول الأوّل عن تهريب مهاجرين غير شرعيين من جنسيات سورية وبنغلادشية وغيرها يسجلهم كعمال في ليبيا، قبل نقلهم إلى مليشيات التهريب عبر البحر في غرب البلاد". يضيف: "لا نستطيع الإفصاح عن معلومات أكثر، لكننا اكتشفنا تورط مسؤولين في شركات الخطوط الجوية الليبية في نشاط هذه المليشيات، وقد أوقف هؤلاء المسؤولون".

المساهمون