تهدّم ما هو هشّ

11 سبتمبر 2014
+ الخط -

تبدأ القصّة بأرقام ولا تنتهي بها. مؤسّسات إعلامية ضخمة ومراكز للمراقبة والرصد وحلقات مُكثّفة للعمل التوثيقي الطوعيّ، وغير الطوعيّ، مُنظّمات لأذرع دوليّة معروفة، وأخرى مُرتبطة بمحيط إقليميّ مسيس، وبالمُجمل، كتلة هائلة تحاول إحاطة الحدث السوريّ من الزّاوية الإنسانيّة على عرفها، ونتاج هذا العمل المُتناسل ينتهي بأرقام مفزعة عن ملايين من النازحين واللاجئين في صِراع الاستجداء من الدول المانحة لمجاراة الحدث.

في مُحيط الدولة السّوريّة، أو ما تبقى منها، ترد أرقام مخيفة عن نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري (أحدث تقرير للمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) منتشرين في طوق غير متجانس السّويّة حول سوريّة، يطلّ الجزء المفتوح منه على المنطقة المحاذية لفلسطين المحتلة، حيث تنتشر الخيم والتجمعات، والّتي وُكـِّلَ أمرُ إدارتها إلى المنظمات الدوليّة، بالتعاون مع الدّول المُضيفة، والمتورّط بعضها إلى حدّ مُخجل، في توسعة هذه البؤر المحزنة في لعبة المصالح السياسيّة والاقتصادية، وآليات التمددات المذهبية وخلفياتها المحركة، كدول كبرى، بالإضافة إلى السبب الرئيسي في ولادة هكذا مشهد، والمتمثل بالنظام وآلاته الوحشيّة، مضافاً إليهم جميعاً انبثاق تنظيمات دمويّة، وضياع بوصلة المستقبل للجميع.

وراء تلك الأرقام عالم مُتهدّم، تختزل مشكلاته في كيفيّة توفير العطايا الدوليّة، حلاً براقاً يغطي الحقيقة. فتقريب الصّورة لمخيم في تركيا، وآخر في لبنان، وثالث في الأردن، ورابع في كردستان العراق، يجعلها لوحة تراجيديّة بشرية مؤلمة، على الرغم من التفاوت. فتناسي الجمع قضيّة تثبيت الخيم بالصّورة الّتي تحدث، وتركيز العمل على تشتيت الحل في توسعتها علاجاً، أقرب ما يكون مُخدّراً موضعياً، يدعو إلى الإنذار وتقريع الأجراس لمدى هول الاتفاق على انهيار المنظومة الاجتماعيّة هشّة الأصل، وتجريد روابط قد تبدو مضحكةً، لكنها أقرب إلى التنظيم والتشارُكيّة الطبيعيّة، في مُجتمع مُسوّر برسم خريطة استعماريّة يُقارب عمرها قرْناً. وفي مُجابهة الحل بانهيارها، ثمّة مَنْ يتناسى أن هناك، الآن، آلافاً من الأطفال السوريين، الّذين عهدوا المُخيّمات ثلاث سنوات، ولا يزال الغموض يكتنف ديمومتها. وثمّة من يصرّ على أن يتناسى أن الهيكل الأسري تداعى إلى حدّ التهدّم في هذه البقع مُتنافسة الضياع. بؤر تفتقر إلى آليات الحفاظ على المنظومة الأسرية، ولو بشروط أقل. فقط تركيز وتدوير مُنصبّ على الترويض لجموع أرادت التنفس في قوقعة عقود أربعة لا غير، فتحول التنفس إلى صناديق خيراتٍ، تتبجح بها بعض الدول، والآخر المُتّشح بالسواد في قوقعته في قم، وليس حاكم بلاد العمّ سام.

avata
avata
براء صبري (سورية)
براء صبري (سورية)