تهدئة أزمة كركوك برعاية أميركية... في انتظار الاستفتاء

07 ابريل 2017
تظاهرة للتركمان ضد رفع علم كردستان بكركوك(علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -
للمرة الأولى، منذ عقود طويلة، ترتفع وتيرة التحشيد القومي في مدينة كركوك، شمال العراق، بين الأكراد والتركمان والعرب، إلى مستويات قياسية، بفعل أزمة رفع علم إقليم كردستان على مباني ومؤسسات الدولة في كركوك، المختلطة قومياً وإثنياً.

وكانت حكومة أربيل أصدرت بياناً وُصف بأنه محاولة لإخماد الفتنة واحتواء نقمة الرأي العام العربي والتركماني في كركوك، وذكرت فيه أن الأخيرة ليست مدينة كردية فقط، بل هي لجميع أبناء القوميات والمكونات فيها. لكن هذا الكلام يختلف عن الممارسات، إذ وصلت أفواج من القوات الخاصة التابعة لـ"البشمركة"، أمس الخميس، إلى المدينة، حيث تم أيضاً تعزيز الانتشار الأمني لقوات "الأسايش" (الأمن) الكردية الآتية من أربيل. وتزامنت هذه التحركات مع موافقة بغداد، بحسب مصادر مطلعة في حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، على مناقشة تفعيل المادة 140 من الدستور، المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، بشرط إزالة التغيير الديموغرافي الذي حصل في السنوات الماضية، في إشارة إلى حملات تهجير العرب والتركمان من المدينة، في حين رفضت بقاء العلم الكردستاني مرفوعاً في كركوك، كما رفضت تنظيم استفتاء على انضمامها إلى الإقليم في الوقت الحالي، وفق تأكيد المصادر.

وذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن الوفد الكردي الذي زار بغداد، والمؤلَف من رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، فؤاد حسين، وقيادات سياسية بارزة، التقى مع الرئيس العراقي الكردي، فؤاد معصوم، ثم مع رئيس البرلمان، سليم الجبوري، ومن بعده مع رئيس الوزراء، العبادي، قبل أن يلتقي مع "التيار الصدري" و"المجلس الإسلامي الأعلى" وأحزاب شيعية أخرى. وأضافت أن هذا الوفد لم ينجح في الحصول على موافقة هذه الأطراف على إبقاء العلم الكردستاني مرفوعاً أو تنظيم الاستفتاء، لكنه حصل على وعود بإحياء المادة 140 من الدستور التي تقضي بحسم تبعية نحو 11 مدينة وبلدة لبغداد أو أربيل.

ومن المقرر أن يشهد اليوم الجمعة، سلسلة لقاءات بين مسؤولين أميركيين وقادة أكراد في أربيل، بهدف التهدئة، بعد نجاح واشنطن في إقناع العبادي بعدم التصعيد ووقف الخطاب الإعلامي المتشنج. وبحسب المصادر ذاتها، فإن السفارة الأميركية تلعب في الوقت الحالي دوراً في تهدئة الأجواء والعمل على تجميد الأزمة الحالية إلى حين. إلا أن المفارقة في الأزمة تتمثل في استمرار طرفين سياسيين معروفين بقربهما من إيران بالتصعيد حيال الأزمة، وهما حزب "الاتحاد الكردستاني"، بزعامة جلال الطالباني، الذي يصر على كردية كركوك، وحزب "الدعوة"، بزعامة نوري المالكي، الذي هدد بالقوة في حال فرض الأكراد الأمر الواقع واستولوا على كركوك.

ويقول مراقبون إن الموقف التركي المتشدد حيال الأزمة في كركوك، ورغبة الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم، بقيادة مسعود البرزاني، في أربيل، بإضعاف خصمه التقليدي حزب "الاتحاد" الذي فجّر الأزمة عبر محافظ كركوك، القيادي في الحزب، نجم الدين كريم، كان عاملاً مهماً لموافقة أربيل على التهدئة حالياً وبشروط، أبرزها مناقشة تفعيل المادة 140 من الدستور.


وأعلن مكتب العبادي، في بيان له، أن الأخير اتفق مع وفد إقليم كردستان على إزالة جميع العوائق التي حالت دون تطبيق المادة 140 من الدستور، الخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، طيلة السنوات الماضية. وأضاف أنه "تم الاتفاق على التمسك بالحوار والتهدئة، والتركيز على المشتركات، والالتزام بالدستور، وعدم السماح بالانجرار إلى معارك جانبية، والتهيئة لمستلزمات الإحصاء السكاني بعد إكمال تحرير جميع الأراضي والقضاء على عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابية"، بحسب ما جاء في البيان. وهذا ما قوبل بإصدار حكومة كردستان بيانا مماثلا قالت فيه إن "كركوك ليست مدينة كردية فقط، وإنما هي مدينة الأكراد والتركمان والعرب، وهذا واقع لجميع أبناء القوميات والمكونات المتعايشة في المدينة، وهم من يقررون مصيرهم بأنفسهم"، موضحاً أنه "يجب جعل كركوك مدينة للتعايش بين جميع القوميات والمكونات"، ومؤكداً أنه "لا يحق لأي طرف تقرير مستقبل أهالي كركوك". وتابع أن "علم كردستان مرفوع في كركوك منذ سنوات، وهو ليس موضوعاً جديداً، وإنما تم تضخيمه أخيراً"، بحسب بيان حكومة كردستان.

في هذا السياق، أكد قيادي في الكتلة العربية في كركوك، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعاً عُقد مع قيادات وزعامات عشائرية عربية في المدينة لمناقشة موقف المكوّن العربي فيها. وبيّن أن "العرب لا يثقون بموقف الحكومة العراقية في بغداد، ومن المحتمل أن يفرّطوا في حق المكون العربي في المدينة، على حساب عدم كسر التحالف السياسي بين الائتلاف الوطني الحاكم (الشيعي) والتحالف الكردستاني، لا سيما أن انفراط التحالف يعني ابتعاد الائتلاف عن فرصة فوزه بمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة، في حال تحالف الأكراد مع كتل أخرى"، بحسب المصدر نفسه. وتابع أنه "تمت مناقشة اللجوء للجامعة العربية، لكن الخيار استُبعد تماماً، إذ هي أضعف من أن تؤدي دوراً فاعلاً في قضية كركوك، لذلك تم الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة لتدويل القضية في المحاكم الدولية وإشراك الأمم المتحدة فيها لضمان عدم تغيير هوية كركوك، أو إجراء مزيد من التغيير الديموغرافي فيها"، وفق قوله.

وعلمت "العربي الجديد" أن قيادات المكون التركماني الموجودين في أنقرة منذ أيام، بينهم رئيس الجبهة التركمانية، أرشد الصالحي، حصلوا على ضمانات تركية بحماية حقوقهم وعدم انتزاع كركوك منهم. وقال الخبير بالشأن السياسي الكردي، الدكتور عبد الحكيم خسرو، لـ"العربي الجديد"، إن "أزمة علم كردستان كانت بالأساس لتحريك الحكومة في بغداد غير المبالية بمسألة المادة 140 من الدستور"، بحسب تعبيره. وأضاف أن "البرلمان العراقي في بغداد قرر، مستغلاً الأكثرية، تمرير قوانين كثيرة مثل قرار عدم تقسيم نينوى أو التلاعب بحدودها، وقرار الحشد الشعبي وتحويله إلى قوة رسمية، وقرار موازنة كردستان المالية، وبالتالي يمكن اعتبار رفع العلم ردا مقابلا من كردستان حيال ذلك". وأوضح أن "هذا يعني أن حكومة كردستان بإمكانها القيام ببعض التحركات المضادة، ومنها رفع علم كردستان في كركوك"، مؤكداً أن العلم لن يتم إنزاله الآن حتى لو حصلت تهدئة لحين حسم موضوع المادة 140 من الدستور، وفق تقديره.

وحول الموقف الأميركي، قال خسرو إن ما هو واضح يتمثل في أن الأميركيين يؤيدون "حل الأزمة وإنهاءها بطرق دستورية وعبر الحوار". ولفت إلى أن "بغداد شريك رئيس وكردستان شريك أساسي" للولايات المتحدة، وبالتالي هي "تلزم الحياد بهذه المسألة على الرغم من أن هناك تعهدا من الإدارة الأميركية السابقة عام 2010، بأن الولايات المتحدة ملزمة برعاية التفاوض بين بغداد وكردستان حول كركوك". وأضاف "نحن نعتبر أن هذا التعهد لا يزال ملزماً لواشنطن"، على حد تعبيره. وحول التصعيد الإعلامي من أطراف سياسية في بغداد وكردستان كـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" وحزب "الدعوة"، قال "إذا ما استمرت هيمنة إيران على هذا الملف، فإن لغة التصعيد والوعيد تكون هي الحالة الأبرز في الأيام المقبلة ونأمل أن تنجح جهود التهدئة من خلال الاتفاق على العودة للدستور".