حبل الكذب قصير. قالها العرب منذ زمن طويل، وذكّرهم بها، للمفارقة، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عندما أفسد على دولة الإمارات كذبة "توقيف" مخطط الضم، مصرّاً على أن كل ما حصلت عليه الإمارات هو "تريث" أو تعليق مؤقت لمخطط فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
تعرية نتنياهو لكذبة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تبعتها إشارة ولفت نظر من محرر الشؤون العربية في هآرتس تسفي برئيل، تدحض بدورها هذه المرة كذبة نتنياهو وقادة الإمارات عن الخطر المشترك من إيران، إذ أشار برئيل بدوره إلى أنه تنشط في الإمارات أكثر من 3000 شركة إيرانية، وأن إيران مثلاً اعتادت على إقامة علاقات مع دول تقيم علاقات حميمة مع إسرائيل.
إذا حذفنا "الإنجاز" الإماراتي الكاذب، عن "التجميد" وذريعة "البعبع الإيراني" الإسرائيلية، لا يبقى من فوائد يجنيها نظام الإمارات سوى مسألة تثبيت النظام داخلياً، مستعيناً بالخبرات الأمنية الإسرائيلية، مثلاً، و"ترشيد" قدرته على قمع المعارضين سواء له أم لدول صديقة من خلال الاستعانة ببرامج وتكنولوجيا أمنية إسرائيلية وطموح بتصدر العالم العربي ومنافسة على قلب الإدارة الأميركية.
في المقابل، وعدا عن كذبة تجميد مخطط الضم، يتضح أن الإمارات لم تشر ولو بكلمة لأي طلب أو شرط بإنهاء الاحتلال، أو وقف الاستيطان، أو تفكيك المستوطنات ولا حتى ذكر شرط إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. يعني هذا أن الإمارات تمنح إسرائيل ليس مجرد سلام بل تحالفاً استراتيجياً علنياً يشمل ضخ الاستثمارات الإمارتية للاقتصاد الإسرائيلي، وقبول ارتهان الإمارات وحاجتها "للخبرات الإسرائيلية" في المياه والزراعة وغيرهما، وهي خبرات يمكن اليوم الحصول عليها من كل دولة ما دمت تملك المال، وخصوصاً إذا كنت على ثراء الإمارات.
لكن أخطر ما في الاتفاق هو أنه يتنكر كلياً لفلسطين وقضيتها ومسألة إنهاء الاحتلال، وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس. وهو فوق هذا كله يتبنى الرواية الصهيونية، وتحديداً رواية اليمين الصهيوني، ممثلاً بنتنياهو، بأنه يمكن عقد معاهدات منفردة مع دول عربية، بعيداً عن قضية فلسطين وشعبها وقدسها ومقدساتها المحتلة. يتجاوز التطبيع مع دولة احتلال، ليست طبيعية بفعل ماضيها وتركيبتها وأطماعها في الوطن العربي كله، إلى تحالف استراتيجي يمنحها شرعية مجانية من دون مقابل سوى وهم بأن تصبح الإمارات "دولة عظمى" فيما تدفع فلسطين وحدها الثمن.