قد يبدو التفجير الذي استهدف دورية روسية تركية مشتركة، يوم أمس الثلاثاء، على الطريق الدولي حلب – اللاذقية "أم 4" المارّ من إدلب، حدثاً يتكرر في ظل معارضة فصائل راديكالية متشددة للاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار، إلا أن اللافت هو تبنّي العملية من قبل تنظيم ظهر حديثاً على الساحة السورية.
وتبنّى تنظيم يُدعى "كتائب خطاب الشيشاني" عملية استهداف الدورية الروسية التركية المشتركة رقم 21، على الطريق الدولي "أم 4"، بين بلدتي أورم وأريحا، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود روس بجروح طفيفة، وجنود أتراك لم يحدد عددهم، بحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية، في حين تم تعليق سير الدورية بعد استهدافها.
وجاء تبنّي التنظيم للعملية عبر حساب باسمه على تطبيق "تلغرام"، حيث نشر الحساب صوراً من العملية، مع الإشارة إلى أن أحد عناصر التنظيم هو من قام بالتنفيذ، معلقاً عليها: "ما كان الذل حليفنا يوماً ولن يكون، ما كانت الخيانة ديدننا يوماً ولن تكون، ما هُنَّا ولن نهون، وهيهات أن نبدل"، وأضاف: "لقد انقضّ فارسنا اليوم على طاولة المفاوضات ليضع توقيعه بالدم واللهيب والحديد والنار".
ما تزال موسكو مترددة في دعم النظام في أي عملية عسكرية في إدلب
وتردد اسم هذا التنظيم لأول مرة عند استهداف دورية مشتركة مماثلة في الـ 16 من الشهر الماضي، في منطقة القياسات على الطريق الدولي، فكان بيان تبني تلك العملية على حساب التنظيم على "تلغرام"، أول منشور وبيان يخصها، ما يدل على أنها أنشئت لهذا الغرض وحسب.
ويحمل اسم التنظيم "كتائب خطاب الشيشاني"، إحالات مباشرة تستحضر فكر السلفية الجهادية، الذي يبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في سورية باتت تتفق على إنهائه في البلاد وتحديداً في إدلب، من خلال استهداف شخصيات وقادة من تنظيمات مختلفة من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والروس، ولا سيما من تنظيم "حراس الدين" الذي يتبنى فكر تنظيم "القاعدة".
ويطرح محللون فرضية ظهور تنظيم جديد يتبنى مثل هذه العملية، بلجوء النظام إلى حلول من هذا القبيل، من خلال اختراع تنظيمات اسمية وإلصاق اسمها بعمليات من هذا النوع في سبيل خدمة أهداف محددة. ويبحث النظام السوري، في هذا الوقت تحديداً، عن أي مبررات لشن عمل عسكري واسع انطلاقاً من جنوب إدلب والتقدم نحو عمقها، ولا سيما للوصول إلى الطريق الدولي "أم 4"، ويحتاج في ذلك إلى مساندة روسية.
في المقابل، ما تزال موسكو مترددة في دعم النظام في أي عملية عسكرية في إدلب، نظراً لالتزامها مع أنقرة بالاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار، الموقّع في الخامس من مارس/ آذار الماضي. وتشير هذه الفرضية إلى أن الاستهداف المتكرر للدوريات، سيجعل الروس يتملصون من اتفاقهم المبرم مع أنقرة، لصالح مساندة النظام في هجمات جديدة في إدلب.
ويرى الباحث السياسي حمزة المصطفى، أن "حصول مثل هذه العمليات متوقع، لاسيما أن غالبية الفصائل الجهادية خارج تنظيم (هيئة تحرير الشام) لا تقبل بالتوافقات الروسية التركية"، موضحا أن ما حدث يحتمل ثلاث قراءات في ظل تبني العملية من قبل تنظيم جديد غير معروف على الساحة من قبل.
وأسهب المصطفى في شرح القراءات الثلاث في حديثه مع "العربي الجديد"، بأن "أولها يكمن في رغبة بعض المجموعات الفرعية في تنظيمات أكبر مثل (حراس الدين) و(الحزب التركستاني) في استعادة نشاطهم العسكري بعد فترة من الهدوء الإجباري المفروض عليهم من قبل (هيئة تحرير الشام) والجيش التركي".
وتتعلق القراءة الثانية "بصراع تلك التنظيمات مع الهيئة والذي ظهر للسطح بعد تشكيل غرفة عملية (فاثبتوا) التي ضمت منشقين عن النصرة منها زعيمها في القلمون أبو مالك التلي، والذي حسمته الهيئة بالقوة. بكلمات أخرى، قد تكون رسالة للهيئة بأن المعركة لم تنته، وأن وجودها كحكم أمر واقع في إدلب لا يعني سيطرتها على المشهد العسكري".
أما القراءة الثالثة، بحسب المصطفى، فتوضع ضمن "الاختراق من قبل النظام، لا سيما أن التنظيم جديد وغير معروف، عدا عن رغبة النظام في العودة إلى الميدان العسكري في إدلب للتغطية مؤقتاً على الأزمة الاقتصادية المتعاظمة، خاصة بعد قانون قيصر".
ويميل المصطفى إلى القراءة الثانية، قائلا "هذه سُنة التنظيمات الجهادية في كل الميادين".
وتنتشر في إدلب عدة تنظيمات جهادية ترفض إجمالاً كل اتفاقيات التسوية في إدلب، إلا أنها ظلت عموماً منضبطة تحت عباءة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تتمتع بمرونة سياسية أكثر من بقية التنظيمات.
ويبقى تنظيم "حراس الدين" أبرز هذه المجموعات الجهادية، وظهر إلى العلن للمرة الأولى في نهاية فبراير/ شباط 2018، ويضم بشكل عام الرافضين لما يعتبرونه "نهجاً براغماتياً" مراوغاً لـ "هيئة تحرير الشام" في مسايرة الضغوط الدولية وفك الارتباط بتنظيم "القاعدة". وكان "حراس الدين" أول فصيل يرفض اتفاق سوتشي حول إدلب الموقّع بين روسيا وتركيا، لكونه يقدّم نفسه كممثل عن تنظيم "القاعدة" في سورية، وبهدف إحراج "هيئة تحرير الشام" التي لم ترحب بالاتفاق ولم ترفضه رسمياً. ويُعتبر "حراس الدين" تحت المجهر الدولي والإقليمي لعدة أسباب، منها انتشاره في مناطق حساسة بالنسبة لجميع الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها روسيا وتركيا، مثل منطقة ريف اللاذقية، إضافة إلى أنه يضم عدداً كبيراً من المصنّفين على أنهم من أخطر الجهاديين في العالم.
ومن التنظيمات الأخرى المنتشرة في المنطقة "جبهة أنصار الدين"، التي تأسست في سبتمبر/أيلول 2014 بعد اندماج أربعة فصائل أغلبها من "المهاجرين"، يضاف إليها "الحزب التركستاني في بلاد الشام"، الذي يُعتبر من أكثر المجموعات المقاتلة الأجنبية حضوراً على الساحة السورية، وكان له دور بارز في العديد من المعارك التي شهدها الشمال السوري. وفي مارس/ آذار 2018، أعلن عن تشكيل عسكري جديد في محافظة إدلب باسم "أنصار التوحيد" بقيادة أبو ذياب سرمين. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هذا التشكيل يضم بين 300 و350 مقاتلاً، وكان ينتشر في كل من سرمين والنيرب وجبال اللاذقية.
وتجمعت بعض هذه الفصائل وغيرها ضمن ما أطلق عليها غرفة عمليات "فاثبتوا"، والتي شكلت بعد انشقاقات في قيادة "هيئة تحرير الشام"، وضمت الغرفة خمسة فصائل، هي "تنسيقية الجهاد"، و"لواء المقاتلين الأنصار"، وجماعة "أنصار الدين"، وجماعة "أنصار الإسلام"، وتنظيم "حراس الدين"، إلا أن "الهيئة" عمدت إلى تصفيتها جبراً، من خلال اعتقالات طاولت بعض قيادييها، اندلعت على إثرها اشتباكات في إدلب، نهاية الشهر الماضي.