تنسيق بين "الشعبية" و"الحرة" التونسيتين: تقارب بنكهة يسارية

29 مايو 2016
تسعى "الحرة" لكسب مساحة أكبر في البرلمان (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
سجلت الساحة السياسية التونسية بوادر تقارب بين كتلتي "الحرة" و"الجبهة الشعبية"، وذلك إثر انخراط الكتلتين في أول تعاون برلماني مشترك في إطار الطعن في مشروع قانون البنوك والمؤسسات المالية أمام "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين"، ما يشير إلى تغيير في التوازنات البرلمانية بدأ يطرأ، فهل يؤدي إلى تشكّل "تكتل يساري"، على الرغم من الاختلاف والتناقضات بين الكتلتين؟ وفيما لم تبّت "الهيئة" رسمياً بعد في مضمون الطعن بعدما قبلت النظر فيه شكلاً، يوم الثلاثاء الماضي، يُعدّ هذا التعاون بين الكتلتين أول تنسيق مشترك بين "الحرة" و"الجبهة الشعبية"، على الرغم من تسجيل مواقف متقاربة حول مشاريع أخرى عدة في محطات سابقة.
ومنذ الإعلان عن تشكيلها، ظلت "الحرة" محل تساؤل وجدل حول موقعها داخل المشهد البرلماني. واعتُبرت تصريحات قياداتها متذبذبة حول التحالفات الممكنة، فمن جهة تؤكد قيادات "مشروع تونس'' (الحزب الذي تمثّله كتلة الحرة ويتزعمه محسن مرزوق المستقيل من نداء تونس)، أنها لن تكون في المعارضة وستحافظ على دعمها حكومة الحبيب الصيد، ومن جهة أخرى، تشير بعض قياداته إلى أن النواب الذين انشقوا عن "نداء تونس" المشارك في الحكم، سيتيح لهم موقعهم في الكتلة الجديدة مساحة نقدية تجاه الساحة السياسية والبرلمانية وحرية أكبر في التعاطي مع القضايا الوطنية.
ويرى مراقبون أن "الحرة"، على الرغم من تأكيدها مساندتها الحكومة، إلا أنها تؤدي دور المعارضة. وقدّمت الكتلة منذ تأسيسها عدداً من الأسئلة الشفهية لوزراء حكومة الصيد ما يعادل تلك التي قدّمها نواب المعارضة، وآخرها عريضة لمحاسبة وزيري الداخلية والعدل على خلل بالقبض على مشتبهين بتورطهم في قضايا إرهابية، ثم إطلاق سراحهم من الجهاز القضائي.


ويعتبر محللون أن الكتلة "الحرة" تسعى إلى كسب مساحة أكبر في البرلمان وفرض نفسها كرقم مهم يؤخذ بعين الاعتبار في التوافقات البرلمانية وخارجها، لا على أساس قيمتها العددية وإنما على أساس مواقفها وحضورها في المشهد البرلماني، وهو ما يفسر تركيزها على مبادرات تشريعية ذات طابع اجتماعي شعبي تمس الرأي العام (مبادرة تشريعية لمنع إخفاء الوجه -النقاب- في الأماكن العامة) أحدثت ضجة في الشارع التونسي ومنحت حيزاً هاماً للظهور الإعلامي لنواب الكتلة.
وأثناء موجة الاستقالات من "نداء تونس" في اتجاه الحزب الجديد "مشروع تونس"، قال مراقبون كثر إن التيار اليساري داخل "النداء" بصدد الانسلاخ عن الحزب وتأسيس حزب جديد، وتبدو هذه المقاربة منطقية بسبب النكهة الأيديولوجية والسياسية التي حملتها مواقف الحزب الجديد وكتلته. وربما تكون استقالة رضا بلحاج واحتجاج بوجمعة الرميلي (اليساريان أيضاً) تتمة لانسحاب اليساريين من "نداء تونس" بعد أن فقدوا نفوذهم وتراجع دورهم داخله.
وإذ لم تكشف كتلة "الحرة" التي تضم يساريين ونقابيين وحتى تجمّعيين (نسبة إلى حزب التجمّع المنحل) وكوادر مستقلة، عن توجّهها اليساري ولم تعلن عنه، فإنها أكدت سابقاً إمكانية التنسيق مع الكتلة الأم "نداء تونس"، إلا أن ممارساتها ورصد مداخلات وتصويت نوابها في مختلف المحطات المهمة في البرلمان إثر تشكّلها، تبرز رسم خط تمايز مع الكتلة الأم وصل حد مناقضة مواقفها في كثيرٍ من الأحيان وارتداء عباءة المعارض لها ولخياراتها التي صاغتها بالتوافق مع شركائها في الائتلاف الحاكم.
وكان المنسق العام لحركة "مشروع تونس" محسن مرزوق، قد صرح سابقاً لـ"العربي الجديد"، أن الحزب ليس حزباً يسارياً وإنما وسطي تحكمه وثائق عمل صيغت إثر استشارات وطنية تُعتبر ركيزة الحزب والكتلة، في رسم السياسات والتوجّهات. ويعيد بعضهم تفادي مرزوق وسم الحزب الجديد باليساري، إلى رغبته في استقطاب أكبر عدد ممكن من التونسيين خصوصاً القواعد التي فقدها "النداء" في الفترة الماضية، وبالتالي فتبني توجّه أيديولوجي قد يُضعف حظوظ الحزب في كسب جماهيرية والانتشار.
في المقابل، فإن "الجبهة الشعبية" التي لم تنسق، كما دأب عليه الوضع مع بقية أطياف المعارضة البرلمانية (التيار الديمقراطي، المؤتمر، حركة الشعب وعدد من أعضاء الكتلة الاجتماعية) أكدت أنها منفتحة على كل المقترحات وأنها اتفقت مع الكتلة "الحرة" في عدة نقاط حول هذا المشروع الذي يتضمن خيارات غير مدروسة ستؤثر على الاقتصاد التونسي، لكن ذلك لا يعني المضي في تحالف معها وإنما سيكون التنسيق مستقبلاً بين الكتلتين على أساس الالتقاء حول مواقف من مشاريع قد تُعارض توجهاتهما.

المساهمون