تنافس على زعامة "العمال" البريطاني... وعلى رضى إسرائيل

23 يوليو 2015
كوربن يمثّل جناح "اليسار التقليدي" (Getty)
+ الخط -

ستة أسابيع تفصل حزب "العمال" البريطاني عن مصيره الذي تتنازعه تيارات ومراكز قوى تتصارع للفوز بزعامة الحزب، وقد ترشحت أربع شخصيات تمثّل اليسار التقليدي والتيار "البليري" الوسطي الأقرب إلى اليمين، وما بينهما من آراء تسعى إلى الحفاظ على يسارية الحزب من دون السقوط في الجمود. ومع أن تاريخ الحزب الذي تأسس في العام 1900 شهد الكثير من الانتصارات التي قادته إلى سدة الحكم، والنكسات التي كادت تطيحه من دائرة التأثير في الخارطة السياسية البريطانية، إلا أنها المرة الأولى التي يرتبط بها مصير الحزب ومستقبله بشخصية القائد المقبل بهذا الشكل الوثيق. فمنذ الانتخابات العامة التي جرت في مايو/أيار الماضي، وأنتجت خسارة فادحة للحزب، ودفعت زعيمه آنذاك إيد ميليباند للاستقالة، تشهد أروقة الحزب ودوائره الداخلية سجالاً وتنافساً بين مرشحين ينتمون للتيارين الأقوى بين قواعد وكوادر الحزب.

وبينما يدعم "لوبي" رجال الأعمال والمتبرعين الماليين وزيرة الصحة في حكومة الظل السابقة ليز كيندال، الأقرب إلى المحافظين، حسب آراء المراقبين، تدعم النقابات المهنية النائب اليساري العتيد جيريمي كوربن، الذي يصفه البعض بآخر رجال "الحرس القديم" الذين صمدوا خلال عهد توني بلير وما شهده من تهميش لليساريين الذين رفضوا الالتحاق بسفينة بلير المتجهة نحو الوسط. وفيما يمثل كوربن جناح "اليسار التقليدي" الذي يسعى إلى إعادة الحزب إلى جذوره الأولى التي تأسس عليها منذ ما يزيد عن مائة عام، تمثّل كيندال جناح "الطريق الثالث" أو "البليرية"، التي ستعيد الحزب نحو "يسار الوسط" وتخلصه من هيمنة النقابات المهنية. وإضافة إلى كيندال وكوربن، هناك مرشحان آخران هما الوزيرة السابقة إيفيت كوبر الأقرب إلى تيار "البليرية"، والنائب آندي بيرنهام الأكثر ميلاً لليسار التقليدي.

وعلى الرغم من أن كوربن كان آخر من التحقوا بسباق التنافس على زعامة حزب "العمال"، إلا أن استطلاعات الرأي المتتالية تكشف عن تقدّمه بشكل واضح على باقي المنافسين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف"، تقدّم كوربن بنسبة 53 في المائة من أصوات الناخبين المتوقع مشاركتهم بالاقتراع في العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل، في حين حلّت كيندال في المرتبة الأخيرة. هذا التقدّم البارز لليساري العتيد جيرمي كوربن، لم يمنع قواعد وقيادات في الحزب من التعبير عن مخاوف على مصير الحزب إذا فاز كوربن، الذي سيعود بالحزب إلى فترة السبعينات، على حد تعبير المعلّق الإعلامي نيك فيراري. بل إن بعض نواب الحزب في مجلس العموم يخططون لـ"انقلاب حزبي" في حال فوز كوربن، كما ذكرت صحيفة "إندبندنت"، لأنهم يرون في ذلك ضربة ستضعف الحزب وتبعده عن سدة الحكم لعقود، وهذا ما يتمناه خصوم الحزب، لا سيما حزب المحافظين.

اقرأ أيضاً: "العمال" البريطاني: الهزيمة وصراع القيادة

وفي خطوة استباقية لدرء "مخاطر" عودة سيطرة اليسار على الحزب، عقدت مجموعة من قيادات وكوادر الحزب جلسة عصف ذهني بحضور الزعيم السابق للحزب توني بلير لحث أعضاء الحزب وأنصاره على عدم المغامرة بالتصويت لكوربن الذي سيقود الحزب إلى مصير مشؤوم، قد لا يخرج منه لسنوات طويلة، على حد تعبير أصحاب الرؤية "البليرية". وقال توني بلير خلال اللقاء، إن "أنصار كوربن بحاجة إلى عملية زرع قلب جديد... وإذا ما أصروا على مواقفهم فهذا يعني عودة الحزب إلى عقد الثمانينات".

في المقابل يخفف أنصار كوربن من هذه المخاوف، ويرون في مرشحهم فرصة لإعادة الحزب إلى مساره الطبيعي كحزب يساري يمثّل النقابات العمالية والطبقات المحرومة من المجتمع. كما يعتبرون أن مرشّحهم سيعيد للحزب هويته السياسية التي تضررت كثيراً بفعل يمينية توني بلير وضعف قيادة غوردن براون وإيد ميليباند.

ولا يقف اللوبي المؤيد لإسرائيل بعيداً عن معركة التنافس على زعامة حزب "العمال"، فقد تسابق ثلاثة من المرشحين على نيل رضى الأصوات اليهودية في الحزب خلال لقاء نظمته صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية، حضره المرشحون الأربعة وساده ما يشبه تراجع المرشحين عن مواقف سابقة للحزب لجهة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدانة السياسات الإسرائيلية. المرشحة ليز كيندال تفاخرت أمام الحاضرين بأنها الوحيدة بين المرشحين التي لم تصوّت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين خلال الجلسة البرلمانية التي نظمها الحزب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت إنها ستحارب حركة مقاطعة إسرائيل إذا ما فازت بزعامة حزب "العمال". وباستثناء كوربن، تسابق المرشحون الثلاثة على التملّص من مواقف سابقة للحزب مع محاولة التملق للجالية اليهودية ومن خلالها لإسرائيل.

وقد بلغت المحاباة بالمرشح آندي بيرنهام حد التعهد بأن أول زيارة خارجية سيقوم بها إذا ما فاز بزعامة حزب "العمال" ستكون إلى إسرائيل. أما المرشحة يافيت كوبر فقد ذكّرت الحاضرين بزيارتها إلى إسرائيل عندما كانت وزيرة للخارجية في حكومة الظل، وقالت إن دعم الدولة اليهودية ومعارضة حركة المقاطعة من أولويات عملها. ولم يخش المرشح اليساري جيريمي كوربن الخروج عن "مزاج اللقاء"، إذ أكد مواقفه بوضوح شارحاً بشكل مفصّل إدانته لممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتواصلة على حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأعلن أنه سيواصل دعم المقاطعة لإسرائيل لاسيما فيما يتعلق بالأسلحة وبضائع المستوطنات.

اقرأ أيضاً: حزب العمال البريطاني يبحث عن هويته

المساهمون