"العسل" بين البلدين، شمل النواحي الثقافية في الذاكرة العثمانية، التي يعتبرها الأتراك جزءاً مهماً من تاريخهم، بغضّ النظر عما خلّفوه في سورية من ظلمات. ومن أهم المشاريع التي طرحت آنذاك ترميم منطقة "التكية السليمانية" في قلب دمشق، وهي من أبرز المعالم الأثرية العثمانية، حيث دُفِنَ جنود وأشخاص أتراك ماتوا خلال العهد العثماني.
والاسم منسوب إلى السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر ببنائها عام 1554، في مكان قصر الظاهر بيبرس، المعروف باسم "قصر الأبلق". وقد صمّمها المعماري التركي المعروف "سنان"، وانتهى العمل بها عام 1559 في عهد الوالي خضر باشا. وهي تضمّ مدرسة بُنيَت عام 1566 في عهد الوالي، لالا مصطفى باشا.
أبرز ما يميّزها مئذنتاها النحيلتان اللتان تشبّهان بـ"المسلّتين"، أو قلمي رصاص، لشدّة نحولهما. وهو طراز لم يكن مألوفاً في دمشق حتّى تلك الحقبة. وهي تنقسم إلى التكية الكبرى، المؤلّفة من مسجد ومدرسة، والتكية الصغرى، المؤلّفة من حرم للصلاة وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطّيها قباب متعددة... وكانت التكية الصغرى مأوى الغرباء وطلبة العلم، بينما تضمّ اليوم المتحف الحربي وسوق الصناعات اليدوية الشعبية.
وقد بدأ مشروع ترميم "التكية السليمانية" ضمن اتفاق بين وزارة الأوقاف السورية ووزارة السياحة التركية، برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). وخلال زيارة أردوغان سورية نهاية عام 2009، فُتِحَت له أبواب دمشق وتجوّل برفقة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق القديمة، وزار التكية السليمانية. وبارك يومها الأسد وأردوغان المشروع المشترك الذي كان "زواجاً" سورياً تركياً علنياً.
لم تمضِ سنتان على هذا التقدّم في العلاقات، حتّى انطلقت الثورة السورية، ودخلت بعدها البلاد في نفق الصراع المسلح. وكان لتركيا موقف مساند للشعب السوري. فبدأت "مراسم طلاق" بائن بين النظام السوري وتركيا، لا رجعة فيه. وفي هذه الأثناء يغطَّ "تنابل" التكية السليمانية في نوم عميق.