تمييز صحي في أراضي 48

23 سبتمبر 2017
طبيبة عربية في مستشفى بحيفا (فرانس برس)
+ الخط -

يعاني الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 من تمييز مؤسساتي في مجال الصحة العامة، إذ يُسجَّل فرق شاسع في الميزانيات المرصودة والخدمات الطبية المتاحة لهم بالمقارنة مع الإسرائيليين. والأمر، الذي يأتي نتيجة سياسة ممنهجة، يؤثّر سلباً وبطريقة مباشرة على صحتهم.

والتمييز بدأ منذ أيام النكبة بحسب ما جاء في دراسة صادرة عن معهد "فان لير"، أعدّتها الدكتورة نهاية داوود وهي أستاذة جامعية ومتخصصة في شؤون المساواة في الصحة العامة. وتوضح داوود أنّ جذور التمييز المؤسساتي في الجهاز الصحي تعود إلى قيام دولة إسرائيل. ففي تلك الفترة، عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى فصل الجهاز الصحي إلى إدارتَين، واحدة للفلسطينيين وأخرى لليهود المهاجرين الجدد إلى فلسطين. وعليه كان التمييز، إذ جرى تطوير للخدمات الصحية الخاصة بهؤلاء المهاجرين. أمّا ربع الفلسطينيّين هناك فبقوا من دون تأمين صحي من أيّ نوع كان، وبالتالي لم يُصَر إلى تطوير الخدمات الصحية في قراهم ومدنهم التي هُدم عدد كبير منها.

وتشير داوود إلى أنّه خلال فترة الحكم العسكري، كان الفلسطينيون بمعظمهم يحصلون على الخدمات الصحية من مطببين (معالجين) تقليديين يعتمدون على "الطب العربي"، فيما كانت ثمّة خدمات حديثة وفّرها أطباء في عدد قليل جداً من العيادات. يُذكر أنّ عدد الأطباء في تلك الفترة كان قليلاً جداً، وكان طبيب واحد يعالج منطقة كاملة أي قرى عربية عدّة في وقت واحد.

تضيف أنّه خلال الحكم العسكري من عام 1948حتى عام 1966 (والذي فرضته إسرائيل على فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948) كانت "الخدمات الصحية للأقليات" تأتي في إطار تنسيق تام مع الحكم العسكري، وهو الأمر الذي تسبب في عدم تطوّر الخدمات الصحية كثيراً في المجتمع العربي، بالمقارنة مع ما هي عليه في المجتمع اليهودي. ومع انتهاء فترة الحكم العسكري ودخول الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلية، بدأ هؤلاء يستفيدون من الخدمات الصحية التي تقدمها صناديق المرضى، خصوصاً أعضاء نقابة العمال العامة (هستدروت) الذين حصلوا على تغطية صحية من خلال المشغّلين في سوق العمل الإسرائيلية. بالتالي، بقي ربع المجتمع العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من دون تأمين صحي من أيّ نوع كان.

د. نهاية داوود: "50% من أهل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تحت خط الفقر"


وتتحدث داوود كذلك عن أسباب أخرى تتعلق بالتمييز الصحي، من قبيل العلاقة ما بين الوضع الاقتصادي والصحة التي تنعكس سلباً على الفلسطينيين، خصوصاً وأنّ خمسين في المائة من عائلات أهل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 يعيشون تحت خط الفقر. كذلك، تشير إلى عدم اهتمام بقضايا صحة العرب العامة على مستوى الميزانيات وتوزيع الميزانيات، بصورة واضحة. بالتالي، فإنّ فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 في حاجة إلى اهتمام خاص بهم، في غياب أيّ اهتمام خلال السنين الماضية ومع استمرار الأمر حتى يومنا. وتشدّد على أنّ احتياجات العرب معروفة من الناحية الصحية، لكنّه لا تتوفّر خطة ممنهجة خاصة للعمل بناءً عليها.

في السياق، تلفت داوود إلى عدم حصول البلدات العربية على الخدمات أو قلّتها، خصوصاً في شمال البلاد حيث يقطن فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 بمعظمهم، بالإضافة إلى التوزيع غير المتساوي للخدمات الصحية. وتعيد ذلك إلى الفجوات القائمة بين المركز ومناطق الأطراف.

وبهدف حلّ أزمة الصحة العامة بالنسبة إلى فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ترى داوود أنّ ثمّة حاجة إلى تغيير جذريّ على صعيدَين أساسيَّين. على الصعيد الأوّل، لا بدّ من أن يكون تمثيل فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 أكبر في وزارة الصحة، إذ لا نجد حتى اليوم عرباً في مراكز صنع القرار حتى يومنا، فيما أثبت اليهود الإسرائيليون طوال سنوات أنّهم لا يكترثون بصحة العرب. أمّا على الصعيد الثاني، فلا بدّ من أن تبدي القيادات المجتمعية والأهلية اهتماماً أكبر بموضوع الصحة العامة وأن تناضل من أجل المساواة إن على مستوى الميزانيات أو على مستوى الحصول على الخدمات.

المساهمون