تمويل الجمعيات في الأردن موضوع سجال

03 اغسطس 2019
تقييد عمل الجمعيات قد يضرّ بهنّ (تييري ترونل/ Getty)
+ الخط -

لطالما مثّل تمويل فروع الجمعيات الأجنبية موضوع سجال في الأردن كما في بلدان كثيرة في المنطقة، ويأتي ذلك وسط تخوّف من تنفيذ "أجندات خارجية" تعبّر عنه أكثر من جهة محلية.

عمدت وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية في منتصف يوليو/ تموز المنصرم إلى التراجع عن تعميم يقضي باشتراط حصول فروع الجمعيات الأجنبية في البلاد على موافقة مسبقة للتمويل من الجمعية الأمّ المرتبطة بها، في حين كانت مصادر حكومية قد أفادت بأنّ التعميم يأتي في إطار تنظيمي وليس تقييدياً وكذلك بهدف معرفة حجم التمويل وعمل فروع الجمعيات الأجنبية. وكانت الحكومة قد كلّفت لجنة برئاسة وزير الدولة للشؤون القانونية مبارك أبو يامين لوضع أسس واستراتيجية للتعامل مع التمويل الأجنبي للمنظمات المحلية ودراسة آلیة جدیدة لطلبات قبول التمویل الأجنبي، الأمر التي تخشاه جمعيات كثيرة خوفاً من تقييد عملها.

إصدار التعميم ثمّ التراجع عنه في خلال يومَين، أثارا جدالاً ما بين الحكومة من جهة والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، إذ إنّ الأخيرة تُعِدّ الموافقة المسبقة على التمويل أشبه بسيف مسلط على رقابها بالإضافة إلى عرقلتها عملها، في حين أنّها لا ترفض الرقابة اللاحقة والتدقيق في عملها. يُذكر أنّ المادة 17 من قانون الجمعيات الأردني تنصّ على ضرورة أن تعلن فروع الجمعيات الأجنبية في تقريرها السنوي عن أيّ تبرّع أو تمويل حصلت عليه وأن تقيّد الجمعية في سجلاتها المالية اسم الجهة مقدّمة التبرّع أو التمويل ومقدارهما والهدف الذي سوف يُنفقان على أساسه والشروط الخاصة بذلك، علماً أنّ عدد الجمعيات ـ الفروع في الأردن هو 191 جمعية. وكانت وثائق رسمية قد كشفت أنّ التمويل المقدّم من الجهات المانحة لنحو 270 شركة وجمعية غير ربحية في خلال عام 2018 بلغ 66 مليون دولار أميركي. وقد أشارت الوثائق نفسها إلى أنّ إجمالي التبرعات العينية وصل إلى نحو مليون ونصف مليون دولار خصصت لنحو 29 جمعية.

يقول ممثل منظمة "صحافيون من أجل حقوق الإنسان" في الأردن محمد شما، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأساس هو في توفّر شروط للمنظمات الفروع لتيسير عملها وتنفيذ برامجها التي تأتي في الأساس منسجمة مع احتياجات المجتمع وضمان تطبيقها القوانين المحلية". يضيف شما أنّ "الإلغاء أو التراجع عن القرار غير المستند إلى القانون هو خطوة جيدة لكنّنا لا نعلم ما هي الآليات التي سوف تعلن الدولة عنها لاحقاً بخصوص الحصول على موافقة للتمويل، علماً أنّ التوجّه الذي كاد يطبّق سوف يلزم كل فروع المنظمات بالحصول على موافقات لأيّ تحويل مالي، ونحن جميعنا نعلم أنّ التحويلات المالية على المصارف المحلية تكون مكلفة في الغالب".




ويشير شما إلى "الفوائد الإيجابية لعمل المنظمات الأجنبية في الأردن لجهة تشغيل أردنيين، وتأثيرها النسبي على المجتمع وتعزيز مستوى العمل والتنافسية مع المنظمات المحلية"، موضحاً أنّ "المموّل يكون حريصاً على وجهة صرف مال دافعي الضرائب في بلاده". وحول تهمة "الأجندة الخارجية"، يقول شما إنّ "هذه الاتهامات لا تنطلي على أحد، إذ إنّ الدولة بنفسها تعتمد على التمويل الخارجي. أمّا نقطة الأجندة الخارجية فيقررها من يتلقى الدعم المالي لقاء إنجاز مشروع. هل يحتاج المجتمع إلى الأهداف التي يعمل عليها؟ هل تتناسب والبيئة؟". ويتحدث شما عن "تضييق لجهة إجراءات الحصول على الموافقات، إذ إنّها قد تمتدّ على أشهر عدّة، الأمر الذي يؤثّر على الجدول الزمني لتنفيذ المشاريع. كذلك ثمّة تعقيدات لدى وزارات لا يكون الموظفون المكلّفون لديها على دراية بطبيعة عمل المنظمات".

من جهته، يقول الرئيس التنفيذي لمنظمة "محامون بلا حدود" المحامي صدام أبو عزام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة تلجأ أحياناً إلى استحداث قوانين جديدة ظناً منها أنّ مراقبة التمويل الأجنبي تحتاج إلى كلّ تلك الأطر، ويأتي ذلك في ظل تيار تقليدي أدّى إلى زيادة الضغوطات الرسمية لمضاعفة المراقبة على مؤسسات المجتمع المدني". يضيف أبو عزام أنّ "القوانين الوطنية المتوفّرة في هذا المجال تكفي، لا بل هي بالعكس تتضمّن أشكالاً عدّة من التقييد على تمويل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في الأردن". ويتابع أنّ "العقل الرسمي لم يستوعب بعد فكرة التمويل الأجنبي، وثمّة نظرة سياسية إلى التمويل الأجنبي مبنية على فكرة المؤامرة"، مشيراً إلى أنّ "أيّ تمويل أجنبي لا يدخل إلى البلد من دون أن تحصل مؤسسات المجتمع المدني على موافقة من المؤسسات المعنية". ويكمل أبو عزام أنّ "هذا الدعم يأتي في إطار العلاقات الدبلوماسية التي تربط الأردن بدول أخرى، وكذلك في إطار توجّه الدول الغنية لمساعدة الدول النامية. وإذا منحت الدولة المنظمة أو الجمعية الدولية الموافقة لجهة المبدأ، فهذا يعني موافقة مبدئية على عملها وتمويلها، وثمّة أسس وقوانين تنظّم عملية التمويل والعمل". ويأسف أبو عزام لأن "غياب الخطط الاستراتيجية الوطنية يتسبّب في عدم توجيه التمويل إلى حيث يجب أن يكون تحديداً، في بعض الأحيان"، مشدداً على "ضرورة أن توضح الحكومة الإجراءات التي تحكم التمويل الأجنبي الذي صار أشبه بتهمة توجّه إلى مؤسسات المجتمع المدني، في حين أنّ الحصول على التمويل المشروع هو حقّ تلك المؤسسات".




تجدر الإشارة إلى أنّ قانون الجمعيات يعرّف الجمعية بأنّها "أيّ شخص اعتباري مؤلّف من مجموعة من الأشخاص لا يقلّ عددهم عن سبعة ويتمّ تسجيله وفقا لأحكام قانون الجمعيات لتقديم خدمات أو القيام بأنشطة على أساس تطوعي من دون أن يستهدف جني الربح واقتسامه أو تحقيق أيّ أهداف سياسية تدخل ضمن نطاق أعمال وأنشطة الأحزاب السياسية وفق أحكام التشريعات النافذة". أمّا المادة 9 من القانون نفسه، فتنصّ على أنّه "يجوز تسجيل فرع لجمعية مسجلة في دولة أجنبية لغايات تقديم خدماتها في المملكة شريطة أن لا يستهدف المركز الرئيسي لهذه الجمعية أو أيّ من فروعها جني الربح واقتسامه أو تحقيق أي أهداف سياسية أو دينية"، كذلك يحظر القانون على الفرع جمع التبرعات أو الحصول على أيّ تمويل من داخل المملكة إلا بموافقة مجلس الوزراء.