تمرد جنوب اليمن: نُذر مواجهة سعودية مع حلفاء الإمارات

29 ابريل 2020
ارتفعت حدّة الاصطفافات في الجنوب (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يبدو أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي في الجنوب اليمني قد نال غطاءً إقليمياً لحراكه الأخير، أقلّه كما ظهر في بيان التحالف السعودي الإماراتي، الذي دعاه للتراجع عن الخطوات الأحادية التي اتخذها، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ والإعلان عن الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية والتطبيق الفوري لاتفاق الرياض بين الحكومة والانفصاليين. وتشير التطورات والسجالات التي أعقبت البيان إلى أن حسم الصراع الدائر لا يزال بعيداً، وأن نذر معركة بين السعودية وحلفاء الإمارات تلوح في الأفق. وبدلاً من نزع فتيل التوتر الذي تسبب به إعلان حالة الطوارئ والإدارة الذاتية، مضى "الانتقالي الجنوبي" في إشعال المزيد من الحرائق، مع حشده عناصره في محافظة حضرموت، في تأكيد منه على أن المحافظة لن تكون سوى جنوبية، رغم وصف مسؤوليها إعلانه بأنه "غير مسؤول".

كما كان لافتاً تعمّد قيادات الانتقالي إحراج السعودية وإظهارها بموقف الضعيف، رغم أن السعودية أبدت استعدادها لتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض بشكل سريع، وهو الأمر الذي رأى فيه البعض رضوخاً منها لمطلب المجلس الانتقالي، خصوصاً بعدما سخر نائب رئيس المجلس، القيادي السلفي هاني بن بريك، من دورها في العمليات العسكرية التي تقودها لإسناد الشرعية منذ 2015. وانتقد بن بريك المقيم في أبوظبي، تقريراً نشرته صحيفة سعودية تحدث عن تلاشي حالة الطوارئ المزعومة من "الانتقالي" بعدما نقل عن سكان محليين في عدن أن التحالف السعودي هو الضمانة كي لا تتقاتل الأطراف فوق رؤوس المدنيين.

وقلل الزعيم الانفصالي من دور قوات التحالف، وذكر أنه لولا القوات الجنوبية التي دربتها الإمارات، لما استطاع معد التقرير أن يتجول في عدن بأمان، و"لما استطاع التحالف أن يحرر شبراً من الأرض". ولم يكتفِ بن بريك بذلك، بل قال إن "الطائرات لا تحسم معركة"، وأنه مع دخول السنة السادسة "لم يستطع التحالف مع جيش الإخوان (في إشارة لحزب الإصلاح)، أن يحرر محافظة شمالية بالكامل، بل سقطت الجوف ونهم في الأشهر الأخيرة، ومأرب مهددة". ومع تعرّضه لانتقادات من ناشطين وصحافيين سعوديين، واصل بن بريك إثارة الجدل، وقال إنهم "سيموتون دفاعاً عن أرضهم ولن يهنأ عدو فيها". واتهم من سمّاهم بـ"بعض السعوديين بهدم محبة الجنوبيين للسعودية والاستخفاف بالجنوب".

كما سار صحافيون مقربون من قيادات المجلس على المنوال نفسه في مهاجمة الرياض، إذ اتهم الصحافي والناشط السياسي في الحراك الجنوبي، صلاح السقلدي، السعودية بإعلان الحرب على الجنوب مثلما أعلنته على الشمال، وحذرها من ارتكاب أي حماقة، أثناء تعليقه على الأحداث لإحدى الفضائيات الدولية. وكان السقلدي قد اعتبر في مقال نشره أخيراً، أن الاحتجاجات الشعبية المنددة بتردي الخدمات "خير مؤشر على السيناريو المتوقع لنهاية الوجود السعودي بعدن، وبداية لتشكل خريطة سياسية وعسكرية جديدة في باقي مدن الجنوب تطيح بالقبضة السعودية أو تفقدها الكثير من قوتها".



ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فقد "المجلس الانتقالي الجنوبي" الكثير من الحظوة والامتيازات العسكرية والمادية التي كان يحظى بها إبان فترة وجود القوات الإماراتية، وتعقدت العلاقة بين الطرفين بشكل أكبر، بعد منع السعودية لقادة المجلس من العودة إلى عدن، والتعامل معهم كقيادات منفية ومؤججة للصراع، بعد أن كانت طائرات إماراتية خاصة تنقلهم من عدن إلى أبوظبي.

في موازاة ذلك، تتواصل معركة الاصطفافات في البلاد، فحظيت الحكومة اليمنية بمواقف مؤيدة لها في أغلب المحافظات الجنوبية إلى جانب المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرتها، فضلاً عن مواقف إقليمية منددة بخطوة إعلان ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية". في المقابل، لجأ "الانتقالي الجنوبي" إلى الاصطفاف المضاد، مع نشر وسائل إعلامه بيانات لقبائل ثانوية في محافظات الجنوب، مؤيدة لخطوات إعلان الطوارئ والإدارة الذاتية. لكن على هامش المواقف الداخلية كان يمكن تسجيل عدد من الملاحظات، إذ خلا بيان أحزاب التحالف الوطني التي يفترض أنها كتلة واحدة مؤيدة للشرعية، الرافض لإعلان الانتقالي، من توقيع حزبين رئيسيين، هما الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري.

وأعلن الاشتراكي موقفه من خطوات الانتقالي في ما بعد ببيان منفصل فيما غاب الناصري، وغالباً ما تتمحور الخلافات بين الأحزاب في مناسبات كهذه، حول بعض المصطلحات أو الفقرة التي تم تناولها أو وصفها للأشياء. وأثار بيان الأحزاب المؤيدة للشرعية سخط حلفاء الإمارات، الذين اعتبروا أنه صادر عن حزب الإصلاح فقط، وادّعوا أنه يدعو لشن حرب جديدة على عدن. ومن الواضح أن معركة البيانات لن تتوقف عن تسميم الأجواء بين الطرفين على المدى القريب، وهو ما قد يعقّد إمكانية التئام طاولة المشاورات مجدداً بين الجانبين للاتفاق على الشق السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما تحدث بيان التحالف.

وفيما تحدثت مصادر عن عودة النقاش بين الرئاسة وقيادة التحالف حول تسمية رئيس جديد للحكومة، وسعي السعودية للوصول إلى توافق على اسم قبيل نهاية إبريل/ نيسان الحالي، استبعد مصدر حكومي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، دقة تلك الأنباء. وقال المصدر: "عندما يتم التوافق على تسمية محافظ ومدير أمن لعدن، عندها يمكن الحديث عن رئيس الحكومة. لا يزال الطريق طويلاً للوصول إلى هذه النقطة، إلا في حال دفع التحالف بكل ثقله لحسمها دفعة واحدة". وكانت الشرعية تأمل في تنفيذ الملف العسكري من اتفاق الرياض القاضي بالانسحاب من المدن وتسليم الانفصاليين للسلاح الثقيل، لكن الانتقالي أجبر السعودية على تقديم الشق السياسي الذي يضمن له الحصول على حقائب في حكومة كفاءات مشتركة بين الشمال والجنوب، بالإضافة إلى مناصب محافظين للمحافظات الجنوبية. ومع فقدان الثقة بين الطرفين، يتوقع مراقبون أن يضيف اتفاق الرياض المزيد من التعقيدات للأزمة اليمنية، في ظل صعوبة تنفيذ بنوده.