تمارين برازيلية على الحرية

07 ديسمبر 2014
"أولفيدو" لـ سِوْدو ميريليز
+ الخط -

خلال السنوات الأكثر قسوة في حقبة الدكتاتورية العسكرية في البرازيل (1964 - 1985)، استيقظ سكان مدينة ريو دي جانيرو ذات صباح ليجدوا في عدد من الميادين والشوارع العامة الشهيرة أكفاناً ملطخة بالدماء، كأنها جثث بشرية ملقاة على قارعة الطريق. لكنها لم تكن جثثاً، بل مجرد تشكيلات فنية مصنوعة من القمامة والبول واللحوم النيئة واللعاب والحفاضات وورق التواليت وغيرها من العناصر.

تشكيلات صنعها الفنان البرازيلي آرتور باهيو، ووزعها في أرجاء المدينة على هذا الشكل كرسالة احتجاج على قمع السلطات العسكرية آنذاك. وكأنه أراد أن يقول للجميع فيها: هذا ما يمكن أن تجدوه في أقبية الدكتاتوريات.

وفي الفترة ذاتها تقريباً، كشف فنان تشكيلي برازيلي آخر، سِوْدو ميريليز، عن مجموعة من أعماله التشكيلية غير التقليدية، سمّاها "إدراجات في المدارات الأيديولوجية". في أحد هذه الأعمال، الذي يحمل عنوان "مشروع كوكا كولا"، طبع ميريليز عبارات مناهضة للحكومة أو للولايات المتحدة الأميركية على زجاجات كوكا كولا فارغة، بلون فاتح لا يكاد يتميز عن لون الزجاجة حين تكون فارغة، لكن بمجرد أن تعود الزجاجة إلى المصنع لكي تُملأ بالمشروب داكن اللون، تصبح العبارات ظاهرة للعيان، وكأنها منشور سياسي ثوري يوزَّع مع المشروبات الغازية.

وظهر أيضاً، في الفترة ذاتها، فنان تشكيلي آخر هو أنطونيو مانويل، الذي اشتهر في البرازيل بموقفه الاحتجاجي الصادم، خلال معرضه "الجسد هو العمل الفني"، عندما فاجأ الجميع بوقوفه عارياً كلياً في افتتاح "الصالون الوطني للفن الحديث" عام 1970، في "متحف ساو باولو للفن الحديث". سلوكٌ اعتبره مانويل "تمريناً عملياً على الحرية"، وشكّل حدثاً غيّر مانشيتات الصحف البرازيلية كلها في اليوم التالي.

مثّلت طريقة المقاومة المبتكرة التي اتّبعها كل من هؤلاء الفنانين التشكيليين انعكاساً صارخاً للظروف السياسية التي كانت تحيط بهم آنذاك، وتعبيراً عن رغبتهم في الاحتجاج وإدانة الحقبة القاسية التي عاشوا فيها. طريقة شكّلت الموضوع الأساسي لكتاب الباحثة ومدرّسة تاريخ الفن، كلاوديا كاليرمان، الذي يحمل عنوان "الفن البرازيلي خلال الدكتاتورية العسكرية"، ووقّعت كاليرمان ترجمته البرتغالية أخيراً في مكتبة "دار أرغومنتو" (ريو دي جانيرو) التي أصدرت الترجمة.

ترى الباحثة، في أعمال الفنانين الثلاثة، تطوراً نوعياً في مسار الفن التشكيلي البرازيلي، لا تعدّه ضرباً اعتباطياً من الاحتجاج، بل إبداعاً يضع أصحابه على رأس "قائمة الشرف" الخاصة بتلك الحقبة، على حد تعبيرها.

نشير أخيراً إلى أن الكتاب صدر أصلاً بالإنجليزية عام 2012 عن "منشورات جامعة ديوك" الأميركية، وقد أعدّته كاليرمان في البداية كأطروحة دكتوراه. ومنذ نشره، حقق نجاحاً وحصد جائزة "كتاب هارفي" لسنة 2013، عن "مؤسسة الفن الأميركي اللاتيني" في الولايات المتحدة.

المساهمون