تلوّث ونفوق أسماك في شاطئ قابس التونسي

16 اغسطس 2018
أسماك نافقة (العربي الجديد)
+ الخط -
تستعدّ جمعيات بيئيّة في قابس (جنوب تونس) لرفع قضية لتحديد الأسباب الحقيقية والمسؤوليات بعد نفوق كميات كبيرة من الأسماك في سواحل مدينة قابس، خصوصاً في المنطقة الممتدة من ميناء الصيد البحري وصولاً إلى شط السلام. وهذه ليست الحادثة الأولى التي تشهدها الجهة. وسبق أن شهدت المنطقة نفوق كميات من الأسماك خصوصاً خلال فصل الصيف، ما عزّز المخاوف من خطر النفايات الصناعية التي يلقيها المجمع الكيميائي في البحر، إذ يقع على مقربة من خليج قابس ويعود إلى عام 1972.

يؤكّد رئيس الجمعية التونسية للبيئة والطبيعة في قابس، فؤاد كريم، لـ "العربي الجديد"، أنّ نفوق الأسماك ناتج من التلوث والغازات السامة التي ترميها المصانع الكيميائية في البحر، ما أضر بخليج قابس، مبيناً أن التصريحات الرسمية التي أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والطفيليات هي السبب غير مقنعة.




ويوضح كريم أنّ النفوق يحدث نتيجة نقص الأوكسجين. لكن إضافة إلى ذلك، فإن التلوث الذي تعاني منه الجهة على مدى أكثر من 40 عاماً أضرّ بالبيئة والثروة السمكية، مبيناً أن مصالح وزارة البيئة أخذت عينات للتحليل، لكن كان من الأنسب أخذ عينات أكبر من الأسماك النافقة وإشراك المجتمع المدني في إطار الشفافية. ويبيّن أنّ درجات الحرارة في قابس خلال هذه الفترة لم تكن مرتفعة جداً أو قياسية، ولم تتجاوز 30 درجة مئوية، في حين أنها وصلت إلى 50 درجة من دون نفوق الأسماك. ويشير إلى أن النفوق حدث مباشرة بعد إلقاء نفايات صناعية في البحر، وبالتالي لا يمكن أن يكون ما حدث طبيعياً.

ويرى كريم أن معاناة أهالي قابس مع التلوث بدأت منذ إنشاء المجمع الكيميائي في الجهة، ما تسبب في أضرار بيئية على الثروة السمكية في خليج قابس، الذي كان حضناً طبيعياً للأسماك في المتوسط، خصوصاً أنه من الواحات القلائل في العالم التي تتصل مباشرة بالبحر، وقد أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" في قائمة التراث العالمي.

ويشير إلى أن التلوث الصناعي أدى إلى انقراض العديد من الأسماك. ومن بين 200 نوع من الأسماك، لم يبق سوى 60 صنفاً، مبيّناً أنه يوجد أفضل أنواع الجمبري أي "الكروفات"، التي كانت تتغذى من الطحالب والأعشاب الموجودة في خليج قابس، لكنها انقرضت. ويتحدّث عن إلقاء ما لا يقل عن 13 طناً من النفايات الصناعية في البحر، وبالتالي لم يتضرر خليج قابس فقط بل تراجعت الثروة السمكية الوطنية.

ويؤكد رئيس الجمعية التونسية للتغيرات المناخية والتنمية المستديمة زهير حلاوي، لـ "العربي الجديد"، أنّ هطول كميات كبيرة من الأمطار ينجم عنه عادة حمل الأودية للنفايات والملوثات نحو الشاطئ. ويبيّن أنّه إضافة إلى الملوثات العادية التي تكون موجودة، هناك أيضاً نفايات صناعية متنوعة ستحملها الأمطار إلى البحر. وبقدر ما تكون هناك ملوثات مختلفة، فإن خطرها سيتضاعف وتضرّ الكائنات البحرية.

ويلفت حلاوي إلى وجوب دراسة ظاهرة نفوق الأسماك في خليج قابس والوقوف على أسبابها الحقيقية للحد من أضرارها التي تهدد الثروة السمكية، وتقليص تداعياتها على البيئة. وتفيد الوكالة الوطنية لحماية المحيط، التابعة لوزارة البيئة، بأن معهد علوم وتكنولوجيا البحار في قابس أخذ عيّنتين: الأولى من مياه البحر، والثانية من الأسماك التي اصطيدت في المكان. وأرسلت العيّنة الأولى إلى مخبر المعهد في صفاقس، والعينة الثانية إلى المخبر المركزي للمعهد في تونس للتحليل والمتابعة. ويوضح أنه عادة ما يشهد ساحل قابس نفوق أسماك في مثل هذه الفترة من السنة، أي خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، خصوصاً مع تواصل ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار. وعادة ما تتسبب الطحالب المجهرية في حدوث أمر مماثل، ما يشبه ظاهرة المياه الحمراء التي تبرز في المياه قليلة الارتفاع.

وتبيّن الوكالة أن ارتفاع درجات الحرارة وقلّة الرياح والتيارات البحرية تساهم في استقرار مياه البحر، وبالتالي ارتفاع نسبة هذه الطحالب في مياه البحر، والحد من نسبة الأوكسجين والفتك ببعض الكائنات البحرية.

من جهتها، تنفي إدارة المجمع الكيميائي التونسي في قابس في بيان توضيحي لها نشر أخيراً، ما تم تداوله في الآونة الأخيرة عن نفوق كمية كبيرة من الأسماك في جهة قابس بسبب تسرب بعض المواد الملوثة، وتحديداً مادة "الأمونيا" إلى البحر، قائلة إنه لا أساس له من الصحة. وتؤكد أن آخر سفينة محملة بهذه المادة التي يستوردها المجمع قد حلت في الميناء التجاري في قابس خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، وأنهت إفراغ حمولتها خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 25 من الشهر نفسه.




وتوضح إدارة المجمع أنها لم تسجل أي تسرب لمادة "الأمونيا"، وأن غالبية وحدات الإنتاج متوقفة عن العمل بسبب نقص مادة الفوسفات، وبالتالي لا علاقة لهذه الظاهرة بنشاط هذا المجمع. وتشير إلى أن ظاهرة نفوق الأسماك قد سجلت في العديد من السواحل التونسية، وترتبط بظهور الطحالب المجهرية بسبب العوامل المناخية.