تلويح أردوغان بمنطقة آمنة تركية: محاولة لاستعجال التفاهمات

26 يناير 2019
أردوغان: لسنا بحاجة لدعوة من أحد للدخول إلى سورية(الأناضول)
+ الخط -
صعّدت تركيا من لهجتها تجاه مطلبها بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري على حدودها، مؤكدة أنها لن تنتظر إلى الأبد لإنشاء هذه المنطقة وأنها مستعدة للقيام بذلك بمفردها، في الوقت الذي كان مسؤولوها يواصلون المباحثات سواء مع نظرائهم الروس أو الأميركيين، ما يشير بوضوح إلى أن أنقرة لا تزال تراهن على إمكانية التوصل إلى تفاهمات مع موسكو وواشنطن، لكنها في الوقت نفسه تتهيأ لاحتمالات تعثر ذلك. بالتوازي مع ذلك، تواصل الوحدات الكردية رهانها على المحادثات مع النظام السوري لحماية نفسها من أي عملية عسكرية كردية في شرقي الفرات، مع وضعها شروطاً للتفاوض مع نظام بشار الأسد وحديثها اللافت عن أن الأخير لا يستطيع العودة إلى ما قبل العام 2011.

وبعد القمة التي عقدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، حول الملف السوري مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، من دون أن تنتهي إلى اتفاق بين البلدين حول المنطقة الآمنة في سورية، رفع أردوغان، أمس، من نبرة خطابه، داعياً إلى إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية "في غضون بضعة أشهر"، وإلا فإن أنقرة ستتكفل بذلك لوحدها. وقال أردوغان، في خطاب له أمس، في شرقي تركيا: "نتوقع أن يتم الالتزام بالوعد الذي قُطع بإقامة منطقة آمنة لحماية حدودنا من الإرهابيين في غضون بضعة أشهر، وإلا فسنتكفل بذلك بأنفسنا". وأضاف "للصبر حدود، ولن ننتظر إلى ما لا نهاية أن يتم الوفاء بهذا الوعد". وذكر أردوغان أن هذه المنطقة يجب أن "تهدف إلى حماية بلدنا من الإرهابيين وليس حماية الإرهابيين إلى جانب حدودنا". وشدّد على أن "تركيا هي القوة الوحيدة التي ستضمن أمن المنطقة". ولفت إلى أن "السيطرة الفعلية يجب أن تكون بأيدينا"، وأن تركيا منغلقة أمام كافة الحلول المقترحة خارج هذا الإطار.

وبعدما طرح بوتين، الأربعاء، اتفاق أضنة الموقّع بين أنقرة ودمشق عام 1998، شدد أردوغان، أمس، على أن هذا الاتفاق يتيح لبلاده دخول الأراضي السورية عند حدوث أمور سلبية تهدد أمنها. وأشار إلى أن "ما يجري في حدودنا مع سورية وراءه حسابات تتعلق بتركيا وليس بسورية". وأضاف: "لسنا بحاجة لدعوة من أحد (لدخول سورية)، نحن ضمنّا بالفعل حق التدخّل (ضد الإرهاب في سورية) عبر اتفاق أضنة 1998".

وكان أردوغان قد نفى في تصريحات للصحافيين في طائرة العودة من روسيا، أن يتطلب تطبيق اتفاق أضنة التنسيق مع النظام. ولفت إلى أن "تركيا على اتصال دائم مع جميع الفاعلين من أجل تطهير سورية من العناصر الإرهابية، والهدف التركي بعد تطهير منبج، تأمين عودة واستقرار أهل المنطقة مجدداً، فأميركا ارتكبت خطأ فادحاً في الرقة، وكان ثمنه كبيراً". وأضاف: "لا يمكن لتركيا أن تكون على اتصال رفيع المستوى مع من تسبّب بمقتل مليون إنسان، وأجبر الملايين على اللجوء"، قاصداً بشار الأسد. كما أوضح أن "موضوع إدلب تم النقاش فيه ولن يسمح بتحرك التنظيمات الإرهابية في المنطقة"، لافتاً إلى أن القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية، ستعقد في فبراير/ شباط المقبل، و"سيتم فيها الحديث عن الانتقال السياسي". ورداً على سؤال عما إذا كانت الأوضاع في سورية تتجه للنهاية، قال: "لا نشعر حتى الآن بقرب النهاية، وأعتقد أنه لا يزال هناك عمل كثير يجب إنجازه".


في غضون ذلك، واصلت تركيا تنسيقها مع روسيا والولايات المتحدة حول الملف السوري. واستقبل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري. وأعرب المسؤولان عن إمكانية حل المشاكل في المنطقة من خلال تعاون البلدين، بحسب وكالة "الأناضول"، التي أشارت إلى أن أكار أعرب للمبعوث الأميركي عن تطلع بلاده لإنهاء الولايات المتحدة علاقاتها مع "الوحدات الكردية" والإسراع باستكمال خارطة طريق منبج.

بموازاة ذلك، عقد وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال، لقاءً مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، أمس الجمعة، في موسكو، تناول بشكل مفصل الأوضاع في سورية، وكيفية إرساء الاستقرار فيها، والقضاء على تهديد الإرهاب. وذكر بيان صدر عن الخارجية الروسية، أن "الطرفين أكدا الحاجة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لخلق الظروف المناسبة لاستقرار الوضع في سورية، والقضاء على التهديد الإرهابي فيها، وعودة اللاجئين السوريين بأمان إلى منازلهم". وأشار البيان إلى أن الطرفين أوليا اهتماماً خاصاً للجهود المشتركة الهادفة لإحداث تقدم في العملية السياسية التي تتضمن تشكيل لجنة صياغة دستور لسورية، وفقاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وقرارات مؤتمر "الحوار الوطني" في سوتشي.
ميدانياً، استهدفت مدفعية الجيش التركي المتمركزة في منطقة "درع الفرات"، شمالي سورية، أمس الجمعة، مواقع الوحدات الكردية في مدينة تل رفعت. وأفادت وكالة "الأناضول" بأن القصف على مواقع الوحدات في المدينة يتواصل منذ الأربعاء.

مقابل ذلك، كان قائد "وحدات حماية الشعب" الكردية سيبان حمو، يعرب عن اعتقاده بأن المحادثات مع النظام السوري بشأن مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية في سورية ستبدأ في الأيام المقبلة بعد رد فعل "إيجابي" من دمشق. وقال حمو لوكالة "رويترز"، إن "هناك محاولات لإجراء مفاوضات... موقف الحكومة السورية كان إيجابياً... نعتقد أنها ستبدأ في الأيام المقبلة". واعتبر حمو أن قرار الولايات المتحدة للانسحاب من سورية كان متسرعاً ولا يمكن أن يحدث بينما لا تزال المعركة ضد مقاتلي "داعش" مستعرة. وأضاف "تطبيق القرار (الأميركي) بسحب القوات عملياً غير ممكن على المدى القريب". واعتبر أن أي منطقة آمنة في شمال شرق سورية، يجب أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة.

لكن مظلوم كوباني، القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تنضوي الوحدات الكردية ضمنها، كان يضع شروطاً للتفاهم مع نظام الأسد، إذ قال في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، إن أي اتفاق سياسي مع النظام يجب أن يضمن "خصوصية" قواته التي قاتلت تنظيم "داعش"، "نيابة عن كل البشرية وحتى عن الجيش السوري"، مؤكداً أنها "حمت شمال شرق سورية، وحررت هذه المناطق ومن حقها أن تستمر في حماية المنطقة". وأضاف "هذا هو خطنا الأحمر ولا يمكننا التنازل عن ذلك" في المفاوضات التي أكد أنها ما زالت مستمرة. وأوضح كوباني أن "المفاوضات لا تزال جارية لكنها لم تصل حتى الآن إلى نتيجة إيجابية بعد" كون النظام "ما زال يؤمن بأن بإمكانه العودة إلى ما قبل العام 2011، وما زال يأمل بأن يسيطر عسكرياً على كل المنطقة". وتابع "ولهذا يحتاج (النظام) إلى مزيد من الوقت لأن يفهم أن ذلك مستحيل ولا يمكن حدوثه".
وأكد كوباني أن "قوات سورية الديمقراطية تقبل أن تكون جزءاً من الجيش الوطني لسورية المستقبل، شرط الحفاظ على خصوصيتها". وأعرب عن استعداد قواته مقابل ذلك "للحفاظ على الحدود السورية وعلى وحدة الأراضي السورية وعلى الرمز السوري وهو العلم السوري والقبول بنتائج الانتخابات المركزية في حال حدوثها".

في غضون ذلك، تحرك النظام السوري لإبراز وجود رفض عشائري لإقامة منطقة آمنة، إذ أفادت وكالة "سانا" التابعة للنظام بأن بلدة أثريا في ريف حلب شهدت اجتماع "القبائل والعشائر السورية والنخب الوطنية"، بهدف تأكيد التمسك بوحدة الصف في الدفاع عن الوطن ضد التهديدات والاعتداءات الخارجية. وذكرت الوكالة أن المشاركين أعربوا في بيانهم "عن الرفض القاطع لإقامة ما تسمى منطقة آمنة في شمال البلاد"، معلنين أن "الشعب السوري مصمم على الدفاع عن نفسه وأرضه وسيادته بكل الوسائل ضد أي شكل من أشكال العدوان بما فيه الاحتلال الأميركي والتركي للأراضي السورية".