تلويحة للأسد

22 مايو 2015
ريم يسوف، سورية (مقطع من لوحة)
+ الخط -

أكثر من سبب للحزن بمجرّد تلقي خبر رحيل ناصر الدين الأسد. ليس لأنه من السراة الذين متّنوا جذور ثقافتنا العربية وجمعوا التربة من حولها في أحرج أوقاتها. ليس لأنه مثال نادر للمثقف الذي بقي محترماً رغم أنه عاش عمره في مؤسسة الدولة. ليس لأننا ننظر الآن إلى مصائر بلدان ومآلات ثقافة، ليس لأنه يشعرنا بالتقصير عما كان علينا أن نقدّمه.

المسافة بين أسئلة وتخبّطات جيلنا وبين صاحب "مصادر الشعر الجاهلي" شاسعة، ولكنها هي ما يجعل الحزن حقيقياً. لا ننظر الآن إلى ما يجمعنا بالرجل، وهو كثير، فلننظر قليلاً إلى المسافات. نشأنا "متمردين" على اللغة باعتبارها مؤسسة وسلطة، وكان الرجل أحد ألمع سدنتها. كانت علاقتنا ملتبسة مع الدولة التي شكّلت مرادفاً للقمع في مخيلاتنا، وكان هو مثقف دولة بالمعنى الإيجابي للكلمة.

لم يكن مثقفاً راديكالياً على الطريقة التي نهواها، لكنه كان جذرياً في فهمه لمسألة اللغة وموقعها في الصراع الحضاري وفي مستبقل الأمم. كان يبدو مختصراً لمتانة الكلاسيكية لكن مع انفتاحها على حركية الحياة.

قبل سنوات، في محاضرة قد تكون من آخر ظهوراته العامة، سمعنا منه ما سمّاه أسلافنا سحر البيان، بلاغة ودقة في استعمال اللغة لا يمكن أن نجد لها تشبيهاً إلا بتمكّن السيدة أم كلثوم من صوتها. في لحظة عربية يرتبط فيها اسم الأسد بالاستبداد والموت، ننحني في وداع هذا الأسد الجليل.

دلالات
المساهمون