تلوث المياه المصرية يتحول إلى كارثة اقتصادية

03 يونيو 2015
المنتج الزراعي المصري يعاني من التلوث (Getty)
+ الخط -
مصر هبة النيل، وبالرغم من ذلك فإن 50% من سكانها محرومون من مياه نقية يشربونها. وتعاني كثير من القرى والعشوائيات من اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي نتيجة لتهالك البنية الأساسية في الغالبية العظمى من المناطق. وبدلاً من أن يمنح النيل المصريين الخير، يمنحهم الأمراض، ومزيدا من النفقات التي تتكبدها الأسر من دخلها المحدود، والدولة من ميزانيتها المختلّة.

يقول الباحث في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، رامي رؤوف، إن مصر تعاني من أزمة مائية، ليس بسبب ندرة المياه كما يدّعي البعض، بل لأسباب تعود إلى إرث الحكومات المتعاقبة في السياسات المائية، وسوء توزيع المياه.


يؤكد رؤوف في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أن توزيع المياه، وإصرار الحكومات المتعاقبة على اتباع نفس السياسات، يهدر ما يزيد عن 35% من مياه النيل. مؤكداً أن انتشار الفساد في مصر ترك ما يزيد عن 29 مصنعاً و300 فندق، تضخ مخلفاتها الكيمياوية في النيل، دون أي محاسبة، أو اتخاذ إجراءات حاسمة. بالطبع، والحديث لرؤوف، تضاعفت هذه الأرقام، بسبب حالة الانفلات الأمني خلال السنوات الماضية.

يوضح رؤوف أن هناك ما يقرب من 38 مليون مواطن يشربون مياهاً ملوثة. ما رفع عدد المصابين بفيروس "سي" إلى ما يقرب من 22 مليون مواطن. إضافة إلى الأمراض الجلدية وأمراض الكلى والسرطان. وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على المواطن البسيط والدولة في ذات الوقت، حيث ترتفع نفقات العلاج، وتوفير الأدوية والعقاقير وغيرها.

يجسّد سيد محروس، أزمة المياه وسوء استخدامها في قرى مصر. يقول سيد إأنه يسكن في قرية تدعى الحوامدية في محافظة الجيزة، وبسبب تلوث المياه الواصلة إلى المنزل من الوحدة المحلية، يضطر إلى شراء مياه من شركات خاصة تأتي إلى القرية بصورة يومية. لا يقل ثمن العبوة الواحدة من المياه عن 5 جنيهات، في حين يستهلك وأسرته ما يقرب من أربع عبوات يومياً، أي ما يوازي 3 دولارات يومياً، و90 دولاراً شهرياً. في المقابل، يؤكد محروس أن قرى الجيزة والقرى المجاورة في محافظة القليوبية تعتمد في معظمها على ري الزراعات من مياه الصرف الصحي، ما يهدد حياة ملايين المواطنين.

اقرأ أيضا: المياه "العكرة" ثقب في جيب العرب (ملف)

يقول سيد محروس إنه وأسرته يعانون الكثير من الأمراض، خاصة الأمراض الجلدية. ويضيف أن الغالبية العظمى من أبناء القرية يلقون حتفهم بأمراض البلهارسيا أو فيروس "سي" وهم في ريعان شبابهم. إضافة إلى إنفاق الأسر ما يزيد عن 50% من مدخولها على العلاج.

وكان تقرير صادر عن منظمة "مين بيحب مصر" أكد أن هناك ما يزيد عن 11 قرية في شمال الجيزة، محرومة من مياه الشرب، وذلك بالرغم من قربها من القاهرة. وأن مياه الشرب في باقي المحافظة تختلط مع مياه الصرف الصحي.


ويقول خبير المياه الدولي ورئيس الجمعية العربية للمياه، مغاوري شحاته، إن مشكلة المياه في مصر مركبة، حيث يعود جزء منها إلى نوعية المياه الواصلة إلى البيوت. بينما يعود الجزء الأكبر منها إلى غياب منظومة تنظم استخدام المياه وتنقّيها. ويلفت إلى أن هذا الأمر يؤثر على كافة نواحي الحياة، خصوصاً المزروعات الملوثة التي عرضت المصريين لأبشع أنواع الأمراض، مثل السرطان وفيروس سي الذي تنفق عليه الدولة ما يقرب من 4 مليارات جنيه سنوياً، إضافة إلى انهيار القطاع الزراعي بسبب تلوث الإنتاج وضعف صادراته.

ويلفت مغاوري إلى أن مشكله مياه الشرب في مصر تكمن في إصرار الحكومات المتعاقبة على اتباع الطرق التقليدية في معالجة المياه، إضافة إلى تآكل خطوط توزيع مياه الشرب، وعدم فاعلية المحليات في تطوير ورصد الأزمات المتعلقة بالمياه.

اقرأ أيضا: بحراً وجواً وبراً... التلوث ينهك اقتصاد مصر

يضيف الخبير في الموارد المائية، أن 90% من القرى في مصر تعتمد في الزراعة على مياه الترع والصرف الصحي. الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية، إذا استمر الأمر على نفس المنوال.
بينما يؤكد أستاذ الاقتصاد وخبير التنمية، الدكتور محمد مصيلحي، أن أزمة مياه الشرب في مصر تعود إلى الفساد الذي تمارسه الحكومات والأنظمة المتعاقبة. مؤكدا أن هناك في مصر هبة النيل، سيطرة تامة من قبل رجال أعمال، بل والقوات المسلحة على الآبار والمياه الجوفية، مؤكداً أن حادثة غرق إحدى العبارات المحملة بالفوسفات في مياه النيل أحد الأمثلة على الأزمات التي تعانيها مصر. ويشير مصيلحي إلى أن مافيا القطاع الخاص تتسبب في انهيار البنية التحتية، وتحولها إلى منافذ للنصب والاحتيال والفساد.
دلالات
المساهمون